فيها جاءت الأخبار بموت السّلطان مسعود بباب هَمَذَان.
وذكر ابن هُبيرة في " الإفصاح " قَالَ: لمّا تطاول عَلَى المقتفي أصحابُ -[765]- مسعود، وأساءوا الأدب، ولم يمكن المجاهرة بالمحاربة، اتّفق الرأي عَلَى الدّعاء عَلَيْهِ شهرًا، كما دعا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِعل وذكْوان شهرًا، فابتدأ هُوَ والخليفة سرًّا، كلّ واحدٍ في موضعه يدعو سحَرًا، من ليلة تسعٍ وعشرين من جُمادى الأولى، واستمرّ الأمر كلّ ليلةٍ، فلمّا تكمّل الشّهر، مات مسعود عَلَى سريره، لم يزد عَلَى الشّهر يومًا، ولا نقص يومًا، فتبارك اللَّه ربّ العالمين.
واتّفق العسكر عَلَى سلْطَنَة ملِكْشاه، وقام بأمره خاصّ بك، ثم إنّ خاصّ بك قبض عَلَى ملكشاه، وطلب أخاه محمدًا من خُوزسْتان، فجاءه فسلّم إليه السلطنة، فلما استقر قتل خاصّ بك، وهرب شِحنة بغداد لمّا سَمِعَ بموت مسعود، وأمر الخليفة: أيّ مَن تخلَّفَ من الجُند عن الخدمة أبيح دمه، وأمر الخليفة ابن النّظام أن يمضي إلى مدرستهم، ويدرّس بها وأحضر الشيخ أبو النجيب مدرسها وأهين وحبس، لأنه درس بها من جهة السلطان، وقبضوا عَلَى الحَيْص بَيص، وأخرجوه من بيته حافيًا مهانًا، وحُبس في حبس اللصوص، ثمّ أُحضر الشّيخ أبو النجيب إلى باب النّوبيّ، وكُشف رأسُه، وضُرب خمسَ دِرَر، ثمّ حُبس، ثمّ أُخذ البديع الصُّوفيّ الواعظ صاحب أَبِي النجيب، واتُهم بالرفض، فشُهِّر وصُفع.
وبلغَ الخليفةَ أنّ في نواحي واسط تخبيطًا، فسار بعسكره وراءه النّاس، وسار إلى واسط، فرتّب بها شِحنةً، ثمّ مضى إلى الحِلَّة، والكوفة، ثمّ عاد إلى بغداد مؤيَّدًا منصورًا، فغُلِّقت بغداد، وزُيّنت، وعُملت القباب، وعمل الذَّهبيّون بباب الخان العتيق قُبَّة، عليها صورة مسعود، وخاصّ بك، وعبّاس، بحَرَكاتٍ تدور، وعُملت قباب عديدة عَلَى هذا النّموذج، وانطلق أهل بغداد في اللّعب والخبال، واللَّهْو إلى يوم عيد النحر.
وفيها كَانَ خروج الغُوريَّة، وحاربهم السّلطان سَنْجر، وملكهم حسين بْن حسين ملك جبال الغور، وهي من أعمال غَزْنَة، فأوّل ما ملكوا بلخ، فقاتله سَنْجَر، وأسره وعفا عَنْهُ وأطلقه، فسار حسين إلى غَزْنَة، وملكها بهرام شاه بْن مسعود بْن إبراهيم بْن مسعود بْن محمود بْن سُبُكتكين، فانهزم من غير قتال، وتسلّم علاء الدين حسين الغوري غَزْنَة، واستعمل عليها أخاه سيف الدّين، وردّ إلى الغور، فلمّا جاء الشّتاء قدِم بهرام، وقام معه أهل غَزْنَة، فقبض عَلَى سيف الدين وصلبه، ثمّ لم يلبث بهرام شاه أن مات، فأقاموا بعده ولده -[766]- خُسروشاه، فقصده علاء الدّين حسين، فهرب منه إلى لهاوور سنة خمسين، وملك علاء الدّين غَزْنَة، ونهبها ثلاثة أيّام، وقتل جماعةً وبدّع، وتلقّب بالسّلطان المعظَّم، وشال الجتْرَ فوق رأسه عَلَى عادة السلاطين السلجوقية، واستعمل ابنَي أخيه، وهما السلطان غياث الدّين أبو الفتح محمد بْن سام، وأخوه السّلطان شهاب الدّين أبو المظفّر محمد، فأحسنا السّيرة في الرَّعية، وأحبّهما الناس، وانتشر ذكرها، وطال عمرهما، وملكا البلاد.
وأوّل أمرهما أنّهما أظهرا عصيان عمّهما، فبعث إليهما جيشًا فهزموه، فسار بنفسه إليهما والتقوا، فأُسر عمّهما علاء الدّين فأحسنا إِلَيْهِ، وأجلساه عَلَى التَّخْت، ووقفا في الخدمة، فبكى وقال: هذان صبيّان فعلا ما لو قدرت عَلَيْهِ منهما لم أفعلْه، وزوَّجَ غياثَ الدّين بابنته، وفوَّض إِلَيْهِ الأمورَ من بعده، فلمّا مات استقلّ غياث الدّين بالملك، ثمّ ملكت الغُزّ غَزْنَة خمس عشرة سنة، وعسفوا وظلموا مدَّة، ثمّ حاربهم غياث الدّين ونُصر عليهم فافتتح البلاد، وأحسن، وعدل.
وفيها جاءت الأخبار بافتتاح أنطرطوس وقتل من بِها من الفرنج، وأمِّن بعضُهم وافتتح نور الدّين عدَّة حصون صِغار، وظفر أهل عسقلان بفرنج غزة وقتلوا خلقا.