-سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

فيها استوزر أبو نصر المظفر بن محمد بن جهير، نقل من الأستاذدارية إلى الوزارة، وعزل ابن طراد.

وفيها ظهر ببغداد رجل قدِم إليها وأظهر الزُّهد والنُّسُك، وقصده النّاس من كلّ جانب، فمات ولدٌ لإنسان، فدفنه قريبًا من قبر السيبي، فذهب ذلك المتزهّد فنبشه، ودفنه في موضع، ثمّ قال للنّاس: اعلموا أنني رأيت عمر بن الخطاب في المنام، ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فسلّما عليَّ، وقالا: في هذا الموضع صبيّ من أولاد عليّ بن أبي طالب، ودّلهم على المكان، فحفروه، فإذا صبي أمرد، فمن الّذي وصل إلى قطعة من أكفانه، وانقلبت بغداد، وخرج أرباب الدولة، وأخذ التراب للبركة، وازدحم الخلق، وبقوا يقبّلون يد المتزهّد وهو يبكي ويتخشّع، وبقي النّاس على هذا أيامًا، والميت مكشوف يراه النّاس، ويتمسحون به، ثمّ أَنْتَن، وجاء الأذكياء وتفقدوا الكَفَن، فإذا هو جديد، فقالوا: كيف يمكن أن يكون هذا هكذا من أربعمائة سنة؟! ونقبوا عن ذلك حتّى جاء أبوه فعرفه وقال: هو والله ولدي، دفْنتُه عند السيبي، فمضوا معه، فرأوا القبر قد نُبِش، فكشفوا فإذا ليس فيه ميت، وسمع المتزهد فهرب، ثمّ وقعوا به وقرّروه، فأقرّ، فأركب حمارًا، وصفع، في ربيع الأول.

وفي سنة خمسٍ وثلاثين ملكت الإسماعيلية حصن مصياب، كان واليه مملوكًا لصاحب شَيْزَر، فاحتالوا عليه ومكروا به، حتّى صعدوا إليه وقتلوه، وملكوا الحصن، وبقي بأيديهم إلى دولة الملك الظّاهر.

وفيها تُوُفّي الوزير سديد الدّولة ابن الأنباريّ وزير الخليفة وبعده وزر ابن جهير الذي كان أستاذ الدار. -[535]-

وفيها تضعضع أمر السلطان سنجر، وكان قد قتل ابنًا لخوارزم شاه أتْسِز بن محمد في الوقعة المذكورة، فحنق خوارزم شاه، وبعث إلى الخطا فطمعهم في خراسان، وتزوَّج إليهم، وحثَّهم على قصد مملكة سَنْجَر، فساروا في ثلاثمائة ألف فارس، فسار إليهم سَنْجَر، فالتقوا بما وراء النّهر، فانهزم سَنْجَر بعد أنّ قُتِلَ من جيشه أحد عشر ألفًا، وأُسِرت زوجة السّلطان سَنْجَر، وانهزم هو إلى بلْخ، فأسرع خُوارَزْمشاه إلى مَرْو، فدخلها وقتل جماعة، وقبض على أعيانها، ولم يزل السّلطان سَنْجَر سعيدًا إلى هذا الوقت، فطلب ابن أخيه السّلطان مسعودا، وأمره أن يقرب منه وينزل الري.

قال ابن الأثير: وقيل إنّ بلاد تُرْكُسْتان، وهي كاشغر، وبلاشاغون، وختن، وطراز، كانت بيد التُّرك الخانيَّة، وهم مسلمون من نسل افراسياب، وسبب إسلام جدّهم الأول أنه رأى في منامه كأن رجلًا نزل من السماء، فقال له بالتُّركية: أسلِمْ تسلم في الدنيا والآخرة، فأسلم في منامه، وأصبح فأظهر إسلامه، ولمّا مات قام بعده ولدُه موسى بن سنق، ولم يزل المُلْك بتُركستان في أولاده إلى أرسلان خان محمد بن سليمان بن داود بغراجان بن إبراهيم طمغاج بن أيلك أرسلان بن عليّ بن موسى بن سنق، فخرج عليه قدر خان فانتزع المُلْك منه، فظفر السّلطان سَنْجَر بقدر خان، وقتله في سنة أربعٍ وتسعين من إحدى وأربعين سنة، وأعاد المُلْك إلى أرسلان خان، وكان من جُنْده نوع من التُرك يقال لهم القارُغليَّة، ونوع يقال لهم الغُزّ الّذين نهبوا خراسان سنة ثمانٍ وأربعين كما يأتي.

وفيها أخذ المغربيّ الواعظ ببغداد مكشوف الرأس إلى باب النّوبى، وجدوا في داره خابيةَ نبيذ وعُودًا وآلات اللّهو، فكان ينكر ويقول امرأته مغنية والعود لها.

وفيها وصل رسول السّلطان سَنْجَر ومعه البُرْدة والقضيب، فسلّمه إلى المقتفي لأمر الله، وكانا مع الراشد لما قتل بظاهر أصبهان. -[536]-

وفيها أغارت الفرنج على عمل عسقلان، فخرج جُنْدُها وقتلوا جماعة، وهزموا الفرنج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015