-سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

قال أبو الفرج ابن الجوزيّ: كانت فيها زلزلة عظيمة بجنْزَة، أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفًا، فأهلكتهم، وكانت الزّلزلة عشرة فراسخ في مثلها، فسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: جاء الخبر أنّه خُسِف بجنْزَة، وصار مكان البلد ماء أسود، وقدِم التّجّار من أهلها، فلزِموا المقابر يبكون على أهاليهم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

قلت: وفي " مرآة الزّمان " مائتي ألف وثلاثين ألفًا، أعني الّذين هلكوا في جَنْزَة بالزّلزلة، وكذا قال ابن الأثير في " كاملة " ولكن ذكر ذلك سنة أربعٍ وثلاثين.

وفيها وصل رسول ابن قاروت صاحب كرْمان إلى السّلطان مسعود يخطب خاتون زوجة المستظهر بالله، ومعه التّقادُم والتُّحَف، فجاء وزير مسعود إلى الدّار يستأذنها، ونثرت الدّنانير وقت العقْد، وبعثت إليه، فكانت وفاتها هناك.

وفي ربيع الأول أزيلت المواصير والمكوس من بغداد، ونقشت الألواح بذلك، كان السلطان قد استوزر محمد بن الحسين كمال الدّين الرازيّ الخازن، فأظهر العدل ورفع المكوس والضرائب، ثم دخل إليه ابن عمارة، وابن أبي قيراط، فدفعا في المُكُوس مائة ألف دينار، فرفع أمرهما إلى السّلطان، فشُهِّرا في البلد مسوَّدَيْن الوجوه، وحُبسا، فلم يتمكن مع الوزير أعداؤه ممّا يريدون، -[532]- فأوحشوا بينه وبين قُراسُنْقُر صاحب أَذَرْبَيْجان، فأقبل قُراسُنْقُر في العساكر الكثيرة، وقال: إمّا يحمل رأسه إلي أو الحرب، فخوفوا السّلطان مسعود من حادثة لَا تتلافى، ففسح لهم في قتله على كرهٍ شديد، فقتله تتر الحاجب، وحمل رأسه إلى قُراسُنْقُر، واستولت الأمراء على مُغَلّات البلاد، وعجز مسعود، ولم يبق له إلا مجرد الاسم.

وفيها خرج خوارزم شاه عن طاعة السّلطان سَنْجَر، فسار سَنْجَر لحربه فقاتله وهزم جيوشه، وقتل في الوقعة ولدٌ لخوارزم شاه، ودخل سنجر خوارزم، فأقطعها ابن أخيه سليمان بن محمد، ورتَّب له وزيرًا وأتابكًا، ورد إلى مرو، فجاء خوارزم شاه، وهرب منه سليمان، فاستولى على البلاد.

وفيها قُتِلَ شهاب الدّين محمود، وأحضروا أخاه محمدًا من بَعْلَبَكّ، فتملّك دمشق، فجاء زنكيّ الأتابك، فأخذ بَعْلَبَكّ بعد أنّ نصب عليها أربعة عشر منجنيقًا ترمي ليلا ونهارا، فأشرف أهلها على الهلاك، وسلّموا البلد، وعصى بالقلعة جماعة من الأتراك، ونزلوا بالأمان، فغدر بهم وصلبهم، فمقته النّاس وأبغضوه، ونفر منه أهل دمشق وقالوا: لو ملك دمشق لفعل بنا مثل ما فعل بهؤلاء.

وفي صفر كانت زلازل هائلة بالشّام والجزيرة، وخرب كثير من البلاد لَا سيّما حلب، فلمّا كُثرت عليهم خرج اهلها إلى الصحراء، قال ابن الأثير: عدّوا ليلة واحدة أنها جاءتهم ثمانين مرة، ولم تزل تتعاهدهم بالشّام من رابع صفر إلى تاسع عشرة، وكان معها صوت وهدَّة شديدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015