فيها خُلِع على إقبال الخادم خِلْعة المُلْك، ولقب سيف الدولة ملك العرب.
ووقع الصُلح مع زنكيّ بن آقْسُنْقُر، وجاءَ منه الحمل.
وصُرِف عن الوزارة أنوشروان، وأُعيد أبو القاسم بن طراد، وقبض على نظر الخادم وسُجن وأُخِذت أمواله، وخُلِع على ابن طراد خلعة الوزارة، وأعطي فرسًا برقبة، وثلاثة عشر حمل كوسات، وأعلامًا ومهدًا.
وقدِم رسول السّلطان سنْجر، فخلع عليه، وأرسل إلى سنجر مع رسوله، ومع ابن الأنباري خلع عظيمة الخطر بمائة وعشرين ألف دينار.
وبعث الخليفة إلى بهروز الخادم، وهو بالقلعة، يطلب منه حملًا فأبى، فبعث جيشًا لقتاله، فحاصروه.
وقدم ألبقش السلحدار التركي طالبًا للخدمة مع الخليفة.
ثمّ إنّ الخليفة خلع على الأمراء، وعرض الجيش يوم العيد، ونادى: لَا يختلط بالجيش أحد، ومن ركب بَغْلًا أو حمارًا أُبيح دَمُه، وخرج الوزير وصاحب المخزن والقاضي ونقيب النُقباء، وأركان الدَولة في زِيّ لم يُرَ مثله من الخيل والزينة والعسكر الملبس، فكان الجيش خمسة عشر ألف فارس.
وعاد طُغْرُل إلى هَمذان وانضمت إليه عساكر كثيرة، وتوطّد له المُلْك، وانحل أمر أخيه مسعود، وسببه أنّ الخليفة بعث بخِلَع إلى خوارزم شاه، فأشار دُبَيْس على طُغْرُل بأخذها، وإظهار أنّ الخليفة بعثها له، ففعل وبعث الخليفة يحثّ مسعودًا على المجيء ليرفع منه، فدخل أصبهان في زِيّ التُرْكُمان، وخاطر إلى أن وصل بغداد في ثلاثين فارسًا، فبعث إليه الخليفة تُحَفًا كثيرة.
وعثر على بعض الأمراء أنه يكاتب طُغْرل، فقبض عليه الخليفة، فهرب بقيَّة الأمراء إلى مسعود، وقالوا: نحن عبيدك، فإذا خَذَلْتنا قَتَلَنا الخليفة، فطلبهم الخليفة، فقال مسعود: قد التجؤوا إليّ، فقال الخليفة: إنما أفعل هذا لأجلك، وأنصبك نوبة بعد نوبة، ووقع الاختلاف بينهما، وشاش العسكر، -[354]- ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين، وتعذر المشْي بين المَحَالّ، فبعث إليه الخليفة يقول له: تنصرف إلى بعض الجهات، وتأخذ العسكر الّذين صاروا إليك، فرحل في آخر السّنة والخواطر متوحّشة، فأقام بدار الغربة، وجاءت الأخبار بتوجُّه طُغْرُل إلى بغداد، فلّما كان يوم سلْخ السّنة نفّذ إلى مسعود الخِلع والتّاج، وأشياء بنحو ثلاثين ألف دينار نعم.
وفيها حاصر ملك الفرنج ابن رذمير مدينة أفراغه من شرق الأندلس، وكان إذ ذاك على قُرْطُبة تاشَفين ابن السّلطان، فجهّز الزّبير اللُّمتُونيّ بألفي فارس، وتجهّز أمير مُرْسيَّة وبلنسية - يحيى بن غانية - في خمسمائة وتجهز عبد الله بن عياض صاحب لارَدَة في مائتين، فاجتمعوا وحملوا الميرة إلى أفراغه، وكان ابن عياض فارس زمانه، وكان ابن رذمير في اثني عشر ألف فارس، فأدركه العُجْب، وقال لأصحابه: اخرجوا خُذُوا هذه الميرة، ونفّذ قطعة من جيشه، فهزمهم ابن عياض، فساق ابن رذمير بنفسه، والْتحم الحرب، واسْتَحَر القتْل في الفرنج، وخرج أهل أفراغه الرّجال والنّساء، فنهبوا خِيَم الروم، فانهزم الطّاغية، ولم يفلت من جيشه إلا القليل، ولحق بسَرَقُسْطة، فبقي يسأل عن كبار أصحابه، فيقال له: قُتِلَ فُلان، قُتِلَ فُلان، فمات غمًّا بعد عشرين يومًا، وكان بلية على المسلمين، فأهلكه الله.
وفيها خرج عبد المؤمن في الموحِّدين من بلاد تينمل فافتتح تادلة ونواحيها، وسار في تلك الجبال يفتتح معمورها، وأقبل تاشفين من الأندلس باستدعاء ابنه، فانُتدِب لحرب الموحدين.
وفيها سار صاحب القدس بالفرنج، فقصد حلب، فخرج إليه عسكرها، فالتقوا، فانهزم المسلمون، وقُتِلَ منهم مائة فارس، ثمّ التقوا ونَصَر الله.
وفيها وثب إيليا الطّغتِكينيّ في الصيد على شمس الملوك بأرض صيدنايا فضربه بالسيف، فغطس عنها، ورمى نفسه إلى الأرض، وضربه ثانية، فوقعت في رقَبَة الفرس أتلفته، وتلاحق الأجناد فهرب إيليا، ثم ظفروا به، فقتله صبرًا، وقتل جماعة بمجرّد قول إيليا فيهم، وبنى على أخيه حائطًا، فمات -[355]- جوعًا، وبالغ في الظُلْم والعَسف، وبنى دار المسرة بالقلعة، فجاءت بديعة الحسن.
وفيها جاءت الأخبار من مصر بخُلْف ولدي الحافظ لدين الله عبد المجيد وهما: حيدرة، والحسن، وافترق الْجُند فِرقتين، إحداهما مائلة إلى الإسماعيلية، والأخرى إلى مذهب السُّنَّة، فاستظهرت السُّنَّة، وقتلوا خلقًا من أولئك، واستحر القتْل بالسّودان، واستقام أمر وليّ العهد حسن، وتتبّع من كان ينصر الإسماعيليَّة من المقدَّمين والدُّعاة، فأبادهم قتْلًا وتشريدًا.
قال أبو يَعْلى حمزة: فورد كتاب الحافظ لدين الله على شمس الملوك بهذا الحال.
وفيها فسخت الفرنج الهدنة وأقبلت بخُيَلائها، فجمع شمس الملوك جيشه، واستدعى تُرْكُمان النواحي، وبرز في عسكره نحو حَوران، فالتقوا، وكانت الفرنج في جمعٍ كثيف، فأقامت المناوشة بين الفريقين أيامًا، ثمّ غافلهم شمس الملوك، ونهض بشطر الجيش، وقصد عكا والناصرة، فأغار وغنم، فانزعجت الفرنج، وردوا ذليلين، وطلبوا تجديد الهدنة.