-سنة أربع عشرة وخمسمائة

فيها خُطب للسُّلطان سَنْجَر ولابن أخيه السّلطان محمود معًا في موضعٍ واحد، وسُميّ كلُّ واحدٍ شاهنشاه، ولُقّب سَنْجَر: عضُد الدّولة، ولُقّب محمود: جلال الدولة.

وفي صَفَر نُقل أبو الفتوح حمزة بْن عليّ مِن الحجابة إلى وكالة الخليفة، وإلى نظر المخزن.

وتمرد العيارون، وأخذوا زواريق منحدِرَة إلى بغداد، وفتكوا بأهل السّواد وأسرفوا، وهجموا على محلة العتابيين، فحفظوا أبواب المحلّة ونهبوها عَنْوة. فأمر الخليفة بإخراج أتراك داريّة لقتالهم، فخرجوا وحاصروهم في الأجمة خمسة عشر يومًا.

ثمّ أنّ العيّارين نزلوا في السفن، وانحدوا إلى شارع دار الرّقيق ودخلوا المحلّة، وأفلتوا منها إلى الصَّحارى. وقصد أعيانُهم دار الوزير أبي عليّ بْن صَدَقة بباب العامّة في ربيع الأوّل، وأظهروا التّوبة. وخرج فريقٌ منهم لقطع الطريق، فقتلهم أهل السّواد بأوَانا، وبعثوا برؤوسهم إلى بغداد.

وفيها ورد قاضي الكوفة أبو جعفر عَبْد الواحد بْن أحمد الثَّقَفيّ مِن جهة سيف الدولة دبيس إلى الأمير إيلغازي بْن أُرْتُق خطب منه ابنته لدُبَيْس، فزوَّجه بها، ونفذها في صحبته. -[154]-

ولما بلغ دبيسا اشتغالُ محمود أخذ في أَذية السّواد، وانجفل أهل نهر عيسى، ونهر الملك. وأتى عنان صاحب جيشه، فحاصر بعقوبا، وأخذها، وسبى الحريم والأولاد.

وكان دُبَيْس يعجبه اختلاف السّلاطين، فلمّا خاف مِن مجيء محمود أمر بإحراق الغلّات والأتْبان، وبعث إِليْهِ الخليفة يُنْذره فلم ينفع، وبعث إِليْهِ السّلطان محمود يتألّفه، فلم يهتزّ لذلك.

وقدم بغداد ونازلها بإزاء دار الخليفة، فوجل منه النّاس، وأخرج نقيب الطّالبيّين، وتهدَّد دار الخلافة، وقال: إنكّم استدعيتم السّلطان؛ فإنْ أنتم صرفتموه، وإلّا فعلت وفعلت. فأنفذ إليه أنّه لَا يمكن ردّ السّلطان، بل نسعى في الصُّلْح. فانصرف دُبَيْس، فسمع أصوات أهل باب الأزج يَسُبَّونه، فعاد وتقدّم بالقبض عليهم، وضرب جماعة منهم بباب النوبي.

وفيها قَالَ ابن الأثير: خرج الكُرْج، وهم الخَزَر، إلى بلاد الإسلام، وكانوا قديما يغيرون، فامتنعوا أيّام ملِكْشاه. فلمّا كَانَ في هذه السّنة خرجوا ومعهم القُفْجاق وغيرهم، فسار لحربهم دبيس وإيلغازي وجماعة في ثلاثين فارس، فالتقى الْجَمْعان، فانكسر المسلمون، واصطدم المنهزمون. وتبعهم الكُفّار يقتلون ويأسرون، فقتلوا أكثرهم، وأسروا أربعة آلاف رَجُل، ونجا طُغْرُل أخو السّلطان ودبيس.

ونازلت الكرج تفْلِيس، وحصروها مدّة إلى سنة خمس عشرة، وأخذوها بالسيف.

وفيها في ربيع الأوّل كَانَ المَصافّ بين السّلطان محمود وأخيه المُلْك مسعود، وكان بيد مسعود أذَرْبَيْجان والموصل، وعُمره إحدى عشرة سنة. وسبب الحرب أن دُبَيْس بْن صَدَقة كَانَ يكاتب أتابك المُلْك مسعود، ويحثّه عَلَى طلب السَّلْطَنة لمسعود، وكان مَعَ مسعود قسيم الدّولة أقسُنْقُر البُرْسُقيّ الَّذِي كَانَ شِحْنة بغداد قد أقطعه مَرَاغَة والرَّحْبَة، وكان معاديا لدُبَيْس. فكاتب دبيس الأتابك جيوش بك يحرّضه عَلَى القبض عَلَى البُرْسُقيّ، فعرف البُرْسُقيّ، ففارقهم إلى محمود، فأكرمه ورفع محلَّه.

واتّصل أبو إسماعيل الحُسَيْن بْن عليّ الإصبهانيّ الطُّغْرائيّ مصنَّف لاميّه -[155]- العجم بمسعود، وكان ولد الطغرائي يكتب مسعودا.

فَلَمَّا وصل الطُّغْرَائِي استوزره مَسْعُود قبل أن يعزل أبا عليّ بْن عمّار الَّذِي كَانَ صاحب طرابُلُس، فحسّن أيضًا لمسعود الخروج عَلَى أخيه محمود، وخطب لمسعود بالسلطنة، ودقت لَهُ النوبة في الأوقات الخمس.

فأقبل محمود، والتقوا عند عقبة أسداباذ، ودام القتال طول النّهار، وانهزم جيش مسعود، وأُسِر منهم خلْق، منهم الطُّغْرائيّ، ثمّ قُتِل بحضرة السّلطان محمود، وهرب خواصّ مسعود بِهِ إلى جبلٍ، فاختفى بِهِ وبعث يطلب الأمان. فرقّ لَهُ السّلطان محمود وأَمَّنَه.

ثمّ قوّوا نفس مسعود، وساروا به إلى الموصل، فلحقه البُرْسُقيّ، وردّ بِهِ، واعتنقه أخوه وبكيا، وعُدَّ ذلك مِن مكارم محمود. ثمّ جاء جيوش بك وخاطر فعفا أيضًا عنه السلطان.

وفي هذا الوقت كَانَ ظهور ابن تُومَرْت بالمغرب كما هُوَ مذكور في ترجمته، وانتشرت دعوته في جبال البربر، إلى أن صار من أمره ما صار.

وفي رجب قِدم السّلطان محمود، فتلقّاه الوزير، ونثر عَليْهِ أهل باب الأزَج الدّنانير، فبعث دبيس زوجته بنت عميد الدولة ابن جَهير إلى السّلطان، فقدم عشرين ألف دينار، وثلاثة عشر فرسًا. فما وقع الرَّضا عَنْهُ، وطُولب بأكثر مِن هذا. فأصرّ عَلَى اللَّجاج، ولم يبذل شيئًا آخر، فمضى السّلطان إلى ناحيته، فبعث يطلب الأمان، وغالَطَ لينهزم، فلمّا بعث إليه خاتم الأمان دخل البرية.

وفيها أمر الخليفة بإراقة الخمور التي بسوق السلطان، ونقض بيوتهم.

وفيها ردَّ وزير السّلطان الوزير المعروف بالسّمْيرميّ المُكُوس والضّرائب، وكان السّلطان محمد قد أسقطها سنة إحدى وخمسمائة. ورجع السّلطان، فتلقّاه الوزير والموكب، فطلب الإفراج عَنِ الأمير أبي الحَسَن أخي المسترشد بالله، فبذل له ثلاثمائة ألف دينار ليسكت عن هذا.

وفيها نازل ملك الفرنج ابن رذمير مدينة قُتُنْدَة، فحاصرها، وهي قريبة مِن مَرْسيّة، فجاء عسكر المسلمين، فعملوا المَصافّ، فانهزم المسلمون. وقُتل خلْق، منهم ابن الفراء وابن سكرة، واستطال ابن رذمير لعنه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015