-سنة ست وتسعين وأربعمائة

كَانَ يَنّال بْن أنُوشْتِكِين الحُساميّ من أمراء السلطان محمد، فسار هُوَ واخوه عليّ من جهة محمد إلى الري، وأقام الخطبة بها لمحمد وصادر أهلها، وعسف وعمل كل بخس، فورد إِلَيْهِ الأمير برسق من جهة السلطان بَركيَارُوق، فاقتتلا بظاهر الرّيّ، فانهزم ينّال وسلك الجبال، وقُتِل خلْقٌ من أصحابه، فقدم بغداد في سبعمائة فارس، فأكرمه المستظهر بالله، واجتمع هُوَ، وإيلغازي، وسقمان ابنا أُرْتُق، وتحالفوا عَلَى مناصحة محمد، وساروا إلى سيف الدولة صدقة، فحلف لهم. ورجع ينّال فظلم ببغداد وعَسَف، واستطال عسكرُه عَلَى العامّة بالضَّرْب والأذِيّة البالغة والمصادرة، وتزوَّج هُوَ بأخت إيلغازي، فبعث الخليفة إِلَيْهِ ينهاه عن الظلم، فلم ينته، وسار بعد أشهرُ إلى أوانا، فنهب وقطع الطريق، وأقطع القرى لأصحابه، ثم شعث باجسرا، وقصد شهرابان، فمنعه أهلها، فقاتلهم، فقتل بينهم طائفة، وسار، لا سلّمه اللَّه، إلى أذْرَبَيْجان قاصداً مخدومه السلطان محمدا.

وكان قد ورد قبله إلى بغداد كَمُشْتِكِين شِحْنةً من قبل بَركيَارُوق، وكان بها أيضًا شحنة لمحمد، وهو إيلغازي بن أرتق، فجرت فتنة، وترك الخطباء الدعوة للسلطان، واقتصروا على الدعاء للخليفة لا غير، وجاء سُقْمان نجدةً لأخيه، فعاث وأفسد ونهب، واجتمع بأخيه فنهبا دجيلاً، ولم يبقيا على أحد، -[687]- واقتضت الأبكار، وعملا ما لا تعمله التتار، وغلت الأسعار. وسار كمشتكين القيصري إلى واسط، فتِبعه سيف الدّولة بالعرب وهزمهم.

وفي جُمَادَى الآخرة، كَانَ المصافّ الخامس بين بَركيَارُوق ومحمد عَلَى باب خُوَيّ، فانهزم عسكر محمد، وانهزم هُوَ إلى أَرْجِيش من أعمال خِلاط، ثمّ سار إلى خِلاط، واتصل بِهِ الأمير علي صاحب أرزن الروم.

وفي رجب قبض الخليفة عَلَى وزيره سديد الملك أبي المعالي، وحبس. وولى النّظر في الوزارة أبو سَعِيد بْن الموصلايا الملقب بأمين الدولة.

وفيها سار الملك دُقَاق إلى الرَّحْبة وحاصرها، وتسلّمها وحصّنها، ورجع وتسلّم أيضًا حمص بعد صاحبها جناح الدولة.

وفيها قدمت عساكر مصر، فحاصرت يافا وبها الفرنج، ثم التقوا هم والفرنج، فهزموهم، وقتلوا من الفرنج أربعمائة، ودخلوا بثلاثمائة أسير. ثم جاء خلق من الفرنج في البحر لزيارة بيت المقدس.

وفيها كَانَ الحصار مستمرًا عَلَى طرابلس، والناس من الفرنج بالشام في بلاءٍ شديد.

وفيها نازلت الفرنج الرستن، ثم ترحلوا، وجرت لهم وقعات، واستولوا عَلَى شيء كثير من الشام، وهادنهم أمراء البلاد عَلَى مالٍ يؤدونه إليهم كلّ عام، فلا قوة إلّا باللَّه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015