لما سار بَركيَارُوق إلى خوزستان دخلها بجميع من معه وهم في حالٍ سيئة، ثمّ سار عسكره إلى واسط، فظلموا النّاس، ونهبوا البلاد، وسار إلى خدمته الأمير صدقة بْن مزيد صاحب الحلة. ثم سار فدخل بغداد في أثناء صَفَر، وأعيدت خطبته، وتراجع إِلَيْهِ بعض الأمراء، ولم يؤاخذ كوهرائين، -[672]- وخلع عَلَيْهِ، وقبض عَلَى وزير بغداد عميد الدولة ابن جهير، والتزم بحمل مائة وستين ألف دينار. ثم سار بالعساكر على شهرزور، وانضم إِلَيْهِ عسكرٌ لجب، فالتقى الأخوان فكان محمد في عشرين ألفًا، وكان عَلَى ميمنته أمير آخر، وعلى ميسرته مؤيد الملك والنظامية، وكان على ميمنة بركياروق كوهرائين، والأمير صدقة، وعلى ميسرته كربوقا صاحب المَوْصِل، فهزم كوهرائين مَيْسَرة محمد، وهزم أمير آخر بميمنة محمد ميسرة بركياروق، وعاد كوهرائين فكبا به الفرس، فأتاه فارس فقتله، وانهزمت عساكر بركياروق وذل، وبقي في خمسين فارسًا، وأسر وزيره الجديد الأعز أبو المحاسن، فبالغ مؤيد الملك وزير محمد في احترامه، وكفله عمارة بغداد، وإعادة الخطبة لمحمد، فساق إلى بغداد، وخطب لمحمد ثاني مرة في نصف رجب.
وكان سعْد الدولة كوهرائين خادمًا كبيرًا محتشمًا، ولي بغداد وخدم ملوكها، ورأى ما لم يره أمير من نفوذ الكلمة والعزّ، وكان حليمًا كريمًا حَسَن السيرة، وكان خادماً تركياً للملك أبي كاليجار ابن سلطان الدولة ابن بهاء الدولة ابن عضد الدولة ابن بويه، بعث بِهِ أَبُوهُ مَعَ ابنه أَبِي نَصْر إلى بغداد، فلم يزل معه حتّى قدِم السلطان طغرلبك بغداد، فحبسه مَعَ مولاه، ثمّ خدم السلطان ألب أرسلان، وفداه بنفسه يوم وثب عَلَيْهِ يوسف الخوارزمي، وكان صاحب صلاة، وتهجدٍ، وصيام، ومعروف، رحمه الله.
وأما السلطان بَركيَارُوق، فسار بعد الوقعة إلى إسفرايين، ثمّ دخل نَيْسابور، وضيق عَلَى رؤسائها، وعمل مصافًا مَعَ أخيه سنجر، فانهزمت الفتيان، وسار بَركيَارُوق إلى جُرجان، ثمّ دخل البريّة في عسكر يسير، وطلب إصبهان، فسبقه أخوه محمد إليها.
وفيها فتح تميم بْن المعز بْن باديس مدينة سفاقس، وغيرها، واتسع سلطانه.
وفيها لقي كمشتكين ابن الدانشمند صاحب ملطية وسيواس، بيمند الفرنجي صاحب أنطاكية، بقرب ملطية، فأسر بيمند.
ووصل في البحر سبعة قوامص، فأخذوا قلعة أنكورية، وقتلوا أهلها، -[673]- ثم التقاهم ابن الدانشمند.
قال ابن الأثير: فلم يفلت أحدٌ من الفرنج، وكانوا ثلاثمائة ألف، غير ثلاثة آلافٍ هربوا ليلًا، كذا قال: والعهدة عليه.
قال: ثم سار إليه الفرنج من أنطاكية، فالتقاهم وكسرهم.
وفيها وزر للخليفة أبو المحاسن جلال الدولة عبد الجليل الدهستاني، فجاءه كتاب بَركيَارُوق يحثه عَلَى اللحاق بِهِ، فاستوزر الخليفة المستظهر باللَّه سديد الملك أبا المعالي الفضل بن عبد الرزاق الأصفهاني أحد كتاب ديوان الجيش للسلطان ملكشاه.
قال صاحب المرآة: وفيها خرج سعد الدولة القراسي من مصر، فالتقى الفرنج عَلَى عسقلان، وقاتل بنفسه حتّى قتل، وحمل المسلمون عَلَى النصاري فهزموهم إلى قيسارية، قَالَ: فيقال: إنهم قتلوا من الفرنج ثلاثمائة ألف.
قلت: هذه مجازفة عظيمة من نوع المذكورة آنفاً.
وفيها كان القحط شديدا بالشام، والخوف من الفرنج.