-سنة سبع وأربعين وأربعمائة

فيها استولى أعوان الملك الرحيم على شيراز بعد حصار طويل وبلاء شديد من القحط والوباء، حتّى قيل: لم يبق بها إِلَّا نحو ألف إنسان، فما أمهله اللَّه في الملك بعدها.

وفيها كان ابتداء الدولة السلجوقية بالعراق، وكان من قصة ذلك أن أبا المظفّر أبا الحارث أرسلان التركي المعروف بالبساسيري كان قد عظم شأنه بالعراق، واستفحل أمره، وبعُد صيته، وعظُمت هيْبته في النفوس، وخُطب له على المنابر، وصار هو الكُل، ولم يبق للملك الرحيم ابن بُويهْ معه إِلَّا مجرّد الاسم. ثم إنهُ بلغ أمير المؤمنين القائم أنّ البساسيريّ قد عزم على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة، فكاتب الخليفةُ القائمُ السلطان طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق يستنجد به، ويعده بالسلطنة، ويحضّه على القدوم، وكان طغرلبك بالريّ، وكان قد استولى على الممالك الخراسانية وغيرها، وكان البساسيري يومئذٍ بواسط ومعه أصحابه، ففارقه طائفه منهم ورجعوا إلى بغداد، فوثبوا على دار البساسيري فنهبوها وأحرقوها، وذلك برأي رئيس الرؤساء وسعيه. ثم أبخسه عند القائم بأنه يكاتب المصريين، وكاتب الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري فأبعده، وكانت هذه الحركة من أعظم الأسباب في استيلاء طغرلبك على العراق. فقدم السلطان طغرلبك في شهر رمضان بجيوشه، فذهب البساسيري من العراق وقصد الشام، ووصل إلى الرحبة، وكاتب المستنصر باللَّه العُبيْديّ الشيعي صاحب مصر، واستولى على الرحبة وخطب للمستنصر بها فأمدّه المستنصر بالَأموال.

وأمّا بغداد فخُطِب بها للسلطان طغرلبك بعد القائم، ثم ذُكر بعده الملك الرحيم وذلك بشفاعة القائم فيه إلى السلطان. ثُمّ إنّ السلطان قبض على الملك الرحيم بعد أيّام، وقُطعت خطبته في سلخ رمضان، وانقرضت دولة بني بويه، وكانت مدّتها مائة وسبعًا وعشرين سنة، وقامت دولة بني سلجوق. فسبحان -[614]- مُبدئ الْأمم ومُبيدها، ومردي المُلوك ومُعيدها، ودخل طغرلبك بغداد في تجمُّلٍ عظيم، وكان يومًا مشهودًا دخل معه ثمانية عشر فيلا، ونزل بدار المملكة، وكان قدومه على صورة غريبة، وذلك أنّه أتى من غزو الرّوم إلى همذان، فأظهر أنّه يريد الحج، وإصلاح طريق مكّة، والمُضيّ إلى الشام من الحج ليأخذها ويأخذ مصر، ويُزيل دولة الشّيعة عنها، فراج هذا على عموم الناس، وكان رئيس الرؤساء يُؤْثِر تملّكه وزوال دولة بني بُوَيْه، فقدِم الملك الرحيم من واسط، وراسلوا طغرلبك بالطاعة.

وفيها تُوُفيّ ذخيرة الدّين وليّ العهد أبو العباس محمد ابن أمير المؤمنين القائم، فعظُمت على القائم الرزيّة بوفاته، فإنه كان عضُده، وخلّف ولدًا وهو الذي ولي الخلافة بعد القائم، ولُقّب بالمُقتدي بالله.

وفيها عاثت جيوش طغرلبك بالسواد ونهبت وفتكت، حتّى أبيع الثَّور بعشرة دراهم، والحمار بدرهمين.

وجرت ببغداد فتنة عظيمة قُتِل فيها خلْق، وبسببها قُبض على الملك الرّحيم وسُجنَ في قلعة.

وفيها ثارت الحنابلة ببغداد ومقدمهم أبو يعلى، وابن التميمي، وأنكروا الجهر بالبسملة ومنعوا من الْجَهْر والترجيع في الْأذان والقُنُوت، ونهوا إمام مسجد باب الشعير عن الجهر بالبسملة، فأخرج مُصحفًا وقال: أزيلوها من المُصْحَف حتّى لَا أتلوها.

وبقي الملك الرحيم محبوسًا إلى أن مات سنة خمسين وأربعمائة بقلعة الريّ، سامحه اللَّه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015