-سنة ست وأربعين وأربعمائة

فيها تفاوض الْأتراك في الشكوى من وزير السلطان، وعزموا على الشغب، فبرَّزوا الخيم وركبوا بالسلاح، وكثرت الْأراجيف، وغُّلقت الدروب ببغداد، ولم يُصلِّ أحدٌ جُمُعة إِلَّا القليل في جامع القصر، ونقل الناس أموالهم، فنودي في البلد: متى وُجد الوزير عند أحدٍ حَلّ ماله ودمُه، وركبت الْأتراك فنهبوا دورًا للنصارى، وأخذوا أموالًا من البيعة وأحرقوها، ودافع العوام عن نفوسهم، فراسل الخليفة الأتراك وأرضاهم. ثم إن الوزير ظهر فطُولب، فجرح نفسه بسكين، فتسلمه البساسيري، وتقلد الوزارة أبو الحسين بن عبد الرحيم.

وقصد قريش بن بدران الأنبار فأخذها، وردّ أبو الحارث البساسيري إلى بغداد من الوقعة مع بني خفاجة، فسار إلى داره بالجانب الغربي ولم يلم بدار الخلافة على رسْمه، وتأخر عن الخدمة، وبانت فيه آثار النّفرة. فراسله الخليفة بما طيّب قلبه فقال: ما أشكو إِلَّا من النائب في الديوان. ثم توجه إلى الْأنبار فوصلها، وفتح وقطع أيدي طائفة فيها، وكان معه دُبيس بن علي.

وفي سنة ست ملكت العرب الذين بعثهم المستنصر لحرب المُعز بن باديس، وهم بنو زغبة، مدينة طرابلس المغرب. فتتابعت العرب إلى إفريقية، وعاثوا وأفسدوا، وأمّروا عليهم مؤنس بن يحيى المرداسي، وحاصروا المُدن وخرّبوا القرى، وحل بالمسلمين منهم بلاء شديد لم يعهد مثله قط. فاحتفل ابن باديس وجمع عساكره، فكانوا ثلاثين ألف فارس، وكانت العرب ثلاثة -[612]- آلاف فارس، فأرادت العرب الفرار، فقال لهم مؤنس: ما هذا يوم فرار. قالوا: فأين نطعن هؤلاء وقد لبسوا الكزاغندات والمغافر؟ قال: في أعينهم. فسُمّي: " أبا العينين ". فالتحم الحرب، فانكسر جيش المُعز، واستحر القتل بجنده، ورُدّ إلى القيروان مهزومًا، وأخذت العرب الخيل والخيام بما حوت، وفي ذلك يقول بعضهم:

وإن ابن باديسٍ لَأفضل مالكٍ ... ولكن لعمري ما لديه رجالُ

ثلاثون ألفًا منهم غلبتهم ... ثلاثة آلاف إن ذا لمحال

ثم جمع المُعز سبعة وعشرين ألف فارس، وسار يوم عيد النحر، وهجم على العرب بغتةً، فانكسر أيضًا، وقُتل من جنده عالم عظيم، وكانت العرب يومئذٍ سبعة آلاف، وثبت المعز ثباتا لم يسمع بمثله. ثم ساق على حميّة، وحاصرت العربُ القيروان، وانجفل الناس في المهديّة لعجزهم، وشرعت العرب في هدم الحصون والقصور، وقطع الْأشجار، وإفساد المياه، وعمّ البلاء، وانتقل المعز إلى المهدية، فتلقاه ابنه تميم واليها.

وفي سنة تسع وأربعين نهبت العرب القيروان.

وفي سنة خمسين خرج بُلُكِّين ومعه العرب لحرب زناتة، فقاتلهم، فانهزمت زناتة وقُتل منهم خلق.

وفي سنة ثلاث وخمسين قتل أهل نقيوس من العرب مائتين وخمسين رجلًا، وسبب ذلك أن العرب دخلت المدينة تتسوّق فقتل رجل من العرب رجلًا محتشمًا مقدّمًا لكونه سمعه يُثني على ابن باديس، فغضب له أهل البلد، وقتلوا في العرب وهم على غفلة.

وقال المختار بن بطلان: نقص النيل في هذه السنة وتزايد الغلاء، وتبعه وباء شديد، وعظم الوباء في سنة سبع وأربعين. ثم ذكر أن السلطان كفّن من ماله ثمانين ألف نفس، وأنه هلك ثمانمائة قائد، وحصل للسلطان من المواريث مال جليل.

وفيها عاثت الْأعراب وأخربوا أكثر سواد العراق، ونهبوا، وذلك لاضطراب الأمور وانحلال الدولة. -[613]-

وفيها استولى طغرلبك على أذربيجان بالصُلح، وسار بجيوشه فسبى من الروم وغنم وغزا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015