في صفر تجدّدت الفتنة بين الشّيعة والسُّنة، وزال الاتّفاق الذي كان عام أول، وشرع أهل الكرخ في بناء باب السّمّاكين، وأهل القلائين في عمل ما بقي من بابهم، وفرغ أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجًا وكتبوا بالذهب: " محمّدٌ وعليٌّ خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر "، وثارت الفتنة -[609]- وآلت إلى أخذ ثياب الناس في الطرق، وغلقت الْأسواق، ووقفت المعايش، وبعد أيام اجتمع للسُّنة عددٌ يفوق الْإِحصاء، وعبروا إلى دار الخلافة وملَأوا الشّوارع، واخترقوا الدهاليز، وزاد اللغط، فقيل لهم: سنبحث عن هذا. فهاج أهل الكرخ ووقع القتال، وقُتل جماعة منهم واحدٌ هاشمي، ونُهب مشهد باب التِّبن ونبشت عدّة قبور وأحرقوا، مثل: العوني، والناشئ، والْجُذوعي، وطرحوا النار في المقابر والتُّرب، وجرى على أهل الكرخ خزيٌّ عظيم، وقُتل منهم جماعة، فصاروا إلى خان الفقهاء الحنفيين، فأخذوا ما وجدوا، وأحرقوا الخان، وقتلوا مُدرِّس الحنفيّة أبا سعد السرخسيّ، وكبسوا دور الفقهاء، فاستدعي أبو محمد ابن النسويّ وأُمر بالعبور فقال: قد جرى ما لم يجرِ مثله، فإن عبر معي الوزيرُ عبرت. فقويت يده، وأظهر أهل الكرخ الحزن، وقعدوا في الْأسواق للعزاء على المقتولين. فقال الوزير: إن واخذنا الكل خرب البلد، والَأولى التغاضي. فلما كان في ربيع الْآخر خُطب بجامع براثا مأوى الشّيعة، وأُسقط من الْأذان " حي على خير العمل "، ودقّ الخطيب المنبر بالسيف، وذكر في خطبته العبّاس.
وفي ذي الحجة كبس العيّارون دار أبي محمد ابن النسوي وجرحوه جراحات عدة.
وفيها أخذ السلطان طغرلبك أصبهان في المحرّم، فجعلها دار ملكه، ونقل خزائنه من الري إليها، وكان قد عمّر الريّ عمارة جيدة.
وفيها كبس منصور بن الحسين بالغز الْأهواز، وقتل بها خلقًا من الديلم والَأتراك والعامّة، وأحرقت ونهبت.
وفيها كانت وقعة هائلة بين المغاربة والمصريين بإفريقيّة، وقُتل فيها من المغاربة ثلاثون ألفًا.