فيها دخل الملك أبو كاليجار ودفَعَ الغُزَّ عن همذان.
وفيها شغب الأتراك وتبسّطوا في أخذ ثياب النّاس، وخطف عمائمهم، وأفسدوا إلى أن وُعِدوا بإطلاق أرزاقهم.
وقدِم رجلٌ من البَلْغَر مِن أعيان قومه، ومعه خمسون نفسًا قاصدًا للحجّ، فأُهْدِي له شيءٌ من دار الخلافة، وكان معه رجل يقال له القاضي عليّ بن إسحاق الخوارزميّ، فَسُئل عن البَلْغَر من أيّ الأمم هم؟ قال: قوم تولّدوا بين الأتراك والصَّقَالبة، وبلادهم من أقصى بلاد التُّرْك، وكانوا كُفَّارًا، ثمّ ظهر فيهم الإسلام، وهم على مذهب أبي حنيفة، ولهم عُيُونٌ وأنهارٌ، ويزرعون على المطر، وحكى أنّ اللّيل يَقْصُر عندهم حتّى يكون ستّ ساعات، وكذلك النهار.
وفيها مات علاء الدّولة أبو جعفر بن كاكويه متولي أصبهان، وولي بعده ابنه أبو منصور، فأقام الدّعوة والسّكّة للملك أَبِي كاليجار في جميع بلاد ابن كاكويه.
وفيها ولي نيابة دمشق للمستنصر الأمير ناصر الدّولة الحسن بن الحسين بن عبد الله بن حمدان، فحكم بها سبع سنين.
وفيها قُرئ الاعتقاد القادريّ بالدّيوان. أخرجه القائم بأمر الله، فقُرئ وحضَره العلماء والزُّهّاد، وحضر أبو الحسن عليّ بن عمر القزوينيّ الزّاهد، وكتب بخطّه قبْل الفُقهاء: هذا اعتقادُ المسلمين، ومَن خالفه فقد خالف وفَسَقَ وكَفَرَ، وهو " يجب على الإنسان أن يعلم أنّ الله وحده لا شريك له " وفيه: " كان ربُّنا ولا شيء معه ولا مكان يَحْويه، فَخَلَقَ كلَّ شيءٍ بقدْرته، وخلق العرش لا لحاجةٍ إليه، واستوى عليه كيف شاء وأراد، لا استواءَ راحةٍ كما يستريح الخلْق، ولا مدبّر غيره، والخلْق كلهم عاجزون، الملائكة والنّبيّون، وهو القادر بقُدْرةٍ، العالم بعلْمٍ، وهو السّميع البصير، متكلم بكلام لا بآلةٍ كآلة المخلوقين. لا يوصف إلّا بما وصف به نفسه أو وصف به نبيُّه، وكلّ صفةٍ -[495]- وصفَ بها نفسَه أو وصفه بها نبيّه فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز، ويعلم أن كلام الله غير مخلوق، تكلم به تكليمًا، وأنزله على رسوله على لسان جبريل، فتلاه على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتلاه محمد على أصحابه، ولم يَصِرْ بتلاوة المخلوقين له مخلوقا، لأنه ذلك الكلام بعينه الّذي تكلَّم الله به، فهو غير مخلوق بكلّ حال، متلواَ ومحفوظًا ومكتوبًا ومسموعًا، ومَن قال إنّه مخلوق على حال من الأحوال فهو كافر حلال الدّم بعد الاستتابة منه، ويعلم أنّ الإيمان قول وعمل ونيّة، يزيد وينقص، ويجب أن نحبّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنّ خيرهم وأفضلهم بعد رسول الله أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عليّ، ومن سبّ عائشة فلا حظّ له في الإسلام، ولا نقول في معاوية إلّا خيرًا، ولا ندخل في شيءٍ شَجَرَ بينهم. إلى أن قال: " ولا نكفّر بترك شيءٍ من الفرائض غير الصّلاة. فإنّ مَن تركها من غير عُذْرٍ وهو صحيح فارغ حتّى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يَجْحَدَها، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " ولا يزال كافرًا حتّى يندم ويُعيدها، وإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يُضْمِر أن يعيد، لم يُصَلَّ عليه، وحُشِرَ مع فِرْعون وهامان وقارون وأُبَيّ بن خَلَف، وسائر الأعمال لا تُكَفّر بتركها وإنْ كان يفسق حتّى يجحدها ": ثمّ قال: " هذا قول أهل السُّنّة والجماعة الّذي مَن تمسَّك به كان على الحقِّ المبين، وعلى منهاج الدّين ". في كلامٍ سوى هذا، وفي ذلك كما ترى بعض ما يُنْكَر، وليس من السُّنّة، والله الموفق.