فيها فُتح المارستان العَضْدي، أنشأه عضُدُ الدولة في الجانب الغربيّ من بغداد، ورتّب فيه الأطباء والوكلاء والخُزّان وكلَّ ما يُحتاج إليه، في ربيع الآخر.
وفي هذا الزّمان كانت الأهواء والبدع فاشيةً بمثل بغداد ومصر من الرَّفْضِ وَالاعتزال والضَّلال، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون؛ فذكر الحُمَيْدي في ترجمة أبي عمر أحمد بن محمد بن سعدي الأندلسي الفقيه طامةً كُبْرى، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن الفرج بن عبد الولّي الأنصاري، قال: -[348]- سمعت أبا محمد عبد الله بن الوليد قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه يسأل أبا عمر أحمد بن محمد بن سعدى المالكي عند وصوله إلى القَيْرَوان من بلاد المشرق، فقال: هل حضرت مجالس أهل الكلام؟ قال: نعم، مرتيّن، ولم أعد إليها، قال: ولم؟ فقال: أمّا أوّل مجلسٍ حضرتُهُ فرأيت مجلسًا قد جمع الفِرَق من السنة والبَدَعَة والكُفّار واليهود والنصارى والدّهْريّة والمَجُوس، ولكّل فرقة رئيس يتكلَّم ويجادل عن مذهبة، فإذا جاء رئيس قاموا كلّهم له على أقدامهم، حتى يجلس، فإذا تكلّموا قال قائل من الكُفّار: قد اجتمعتم للمناظرة، فلا يحتجّ أحدُ بكتابه ولا بنبيه، فإنا لا نصدق ذلك ولا نقر به، وإنما نتناظر بالعقل والقياس، فيقولون: نعم، فلما سمعت ذلك لم أعده. ثم قيل لي: هنا مجلس آخر للكلام، فذهبت إليه فوجدتهم على مثل سيرة أصحابهم سواء، فقطعت مجالس أهل الكلام. فجعل ابن أبي زيد يتعجّب من ذلك، وقال: ذهبت العلماء وذهبت حرمة العلم والإسلام.
وفي شوّال مات عَضُدُ الدولة، فكتموا موته، ثم استدعوا ولده صمصام الدولة من الغد إلى دار السّلطنة، وأخرجوا أمر عضُدُ الدولة بتولية العهد، ورُوسل الطائع وسُئل أن يولّيه، ففعل، وبعث إليه خُلَعًا ولواءً.
وخلع على أبي منصور بن أبي الفتح العلوي للخروج بالحاجّ وإقامة الموسم.
وتُوُفَّيَتِ السّيدة سارة بنت الخليفة المعتضد وأخت المكتفي. وكانت مُعَمَّرة عاشت بعد أبيها ثلاثًا وثمانين سنة.