-سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

عملت الرافضة بوم عاشوراء بالنَّوح وتعليق المُسُوح، وعَيَّدوا يوم الغدير، وبالغوا في الفرح.

ولم يحجّ أحدٌ من الشام ومصر.

وفيها مات ناصر الدولة، وقُتل أبو فِراس الحارث بن سعيد بن حمدان، وكان قد طمع في تملّك الشام، وجاء إليه خلقٌ من غلمان سيف الدولة، وأطمعوه، فصادر أهل حمص وغيرهم، وقتل قاضيهم أبا عمّار، وأخذ من داره ستمائة ألف درهم، فلما أحسّ بأنّ أبا المعالي ابن سيف الدولة يقصده سار فنَزل على بني كلاب، وخلع عليهم وأعطاهم الأموال، ونفَّذ حُرُمَه معهم إلى البّريّة، ثم سار أبو المعالي وقرغوَيه الحاجب إلى سَلَمْيَة، فاستأمن إلى أبي المعالي جماعة من بني عقيل، وتأخّر أبو فِراس، وقال: قد أخْلَيْتُ لهم البلد، ثم سار قرغُوَيْه وأحاط به فقاتل أشدّ قتال، وما زال يقاتل وهم يتبعونه إلى ناحية جبل سنير، فتقنطر به فرسه بعد العصر، فقتلوه. وله شعر رائق في الذروة.

ومات الخادم كافور صاحب مصر ورُدَّ أمرُها إلى الملك أبي الفوارس حسين بن علي بن طُغج الإخشيدي، فوقع الخُلْفُ بين الكافورية وبينه، وتحاربوا وعظم البلاء وقُتل بينهم خلق، ثم هزمت الإخشيديةُ الكافوريةَ وطردوهم عن مصر، فصاروا إلى الرملة وفيهم ابن محمد بن رائق، وأبو منخل، وفنّك، وفاتك الهندي، فقدموا على صاحب الرملة الحسن بن عبيد الله بن طُغج، فلم يُقْبِل عليهم، وقال: لا أحارب ابنَ عَمِّي، ثم ضاق بنفقاتهم، فتوجّهوا إلى دمشق ومتولّيها فاتك الإخشيدي، فتمّ بينهم قتال وبلاء.

وفي ذي القِعدة أقبل عظيم الروم تقفور بجيوشه إلى الشام، فخرج من الدَّرب ونازل أنطاكية، فلم يلتفتوا عليه، فهدّدهم وقال: أرحل وأَخرّب الشام كلّه وأعود إليكم من الساحل. ورحل في اليوم الثالث ونازل مَعَرَّة مَصْرِين، فأخذها وغدر بهم، وأسر منها أربعة آلاف ومائتي نسمة.

ثم نزل على مَعَرَّة النُّعمان فأحرق جامعها، وكان الناس قد هربوا في كلّ وجهٍ إلى الحصون والبراري والجبال المنيعة.

ثم سار إلى كفرطاب، وشيزر، ثم إلى حماة وحمص، فخرج من تبقّى بها، فأمّنهم ودخلها، فصلّى في البيعة، وأخذ منها رأس يحيى بن زكريا، -[24]- وأحرق الجامع. ثم سار إلى عِرْقَة فافتتحها، ثم سار إلى طرابلس، فأخذ بعضها. وأقام في الشام أكثر من شهرين ورجع، فأرضاه أهلُ أنطاكية بمال عظيم.

وفيها كانت فتنة الأمير أبي الحسن محمد ابن المستكفي بالله عبد الله ابن المكتفي بالله على ابن المعتضد العبّاسي؛ لما خلع أبوه المستكفي بالله وسمل، هرب هو ودخل الشام ومصر وأقام هناك عند كافور الإخشيدي، فلاذ به جماعة وأطمعوه في الأمر، وقالوا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المهدي من بعدي يُوَاطِئُ اسمُه اسْمِي واسمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي " وإنْ أنت قدمت بغدادَ بايعك الدَّيْلَم. فتوجّه إلى بغداد ثم دخلها سرًا وبايعه جماعة من الدَّيْلم في هذه السنة، فاطَلع الملك عزّ الدولة بختيار ابن معزّ الدولة على ذلك، وكان قد ادّعى أنّ والده نصّبه للخلافة من بعده، فصحبه من أهل بغداد خلق كثير من رؤسائها وأعيانها وبايعوه سرًا، منهم أبو القاسم إسماعيل بن محمد المعروف بزنجي، وترتب له وزيرًا، فقبض عليه عزّ الدولة ثم جدع أنفه وقطع شفته العليا وشحمتي أُذُنيه، وسُجن بدار الخلافة، وكان معه أخوه علي وانّهما هربا من الدار في يوم عيد، واختلطا بالنّاس، ومضيا إلى ما وراء النهر. وروي بهراة شيئاً عن المتنبي من شعره، وله شعر وأدب، ومات بخراسان خاملاً بعده.

ووصل ملك الروم - لعنه الله - إلى حمص وملكوها بالأمان، وخافهم صاحب حلب أبو المعالي ابن سيف الدولة، فتأخّر عن حلب إلى بالس وأقام بها الأمير قرغُوَيْه، ثم ذهب أبو المعالي إلى ميَارفارقين لما تفرّق عنه جنده، وصاروا إلى ابن عمّه صاحب الموصل أبي تغلب، فبالغ في إكرامهم، ثم رد أبو المعالي إلى حلب فلم يُمكَّن من دخولها واستضعفوه، وتشاغل بحبّ جارية، فردّ إلى سَرُوج فلم يفتحوها له، ثم إلى حَرّان فلم يفتحوا له أيضًا، واستنصر بابن عمّه أبي تغلب، فكتب إليه يعرض عليه المقام بنصيبّين، ثم صار إلى ميَارفارقين في ثلاثمائة فارس وقلّ ما بيده.

ووافت الروم إلى ناحية ميافارقين وأرزن يعيثون ويقتلون، وأقاموا ببلد الأسلام خمسة عشر يومًا ورجعوا بما لا يُحصى.

وكان الحجّ في العام صعبًا إلى الغاية لِما لَحِقهم من العطش والقتْل، مات من حجّاج خراسان فوق الخمسة آلاف، وقيل: بل ثلاثة آلاف بالعطش، فلما حصلوا بمكة خرج عليهم الطلحّيون والبكْريّون فوضعوا في الحجيج السيف، وأخذوا الركْبَ بما حوى، ولم يحجّ من مصر ولا الشام أحد. وكان -[25]- حجّاج المغرب خلقًا، فرجع معهم خلق من التُّجّار فأَخِذوا، فيقال: إنّه أَخِذ لتاجرٍ فيها متاع بنحو مائتي ألف دينار، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

وفي آخر العام جاءت القرامطة من البّريّة وتوثّبوا على دمشق فملكوها، وساروا إلى الرَّمْلة، فالتقاهم الحسن بن عبد الله الإخشيدي فهزموه، ثم قاتلوا أهل الرَّملة أشدّ قتال. واستباحوها بعد يومين، ثم إنّ أهلها دافعوا عن نفوسهم بمائة وعشرين ألف دينار، وسبوا من أعمال الرملة عشرة آلاف نسمة، وعزموا على قصْد مصر ليملكوها، فجاء العُبَيْدِيّون فأخذوها، وقامت دولة الرفض في الأقاليم: المغرب، ومصر، والعراق، وغير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015