عَمِلت الرافضة يوم عاشوراء ببغداد وناحت.
وفيها مات مُعِزّ الدولة بن بُوَيْه، وولي إمرة العراق ابنه عزُّ الدولة بختيار ابن أحمد بن بُوَيْه.
قال أبو القاسم التَّنوخي: حدَّثني الحُسين بن عثمان الفارقي الحنبليُ، -[21]- قال: كنت بالرَّمْلة في سنة ست وخمسين، فقدِمَها أبو علي القِرمطيّ القَصير الثِّياب، يعني الذي تملَّك الشام، فَقَرَّبني، فكنت ليلة عنده، فقال بديهاً:
ومَجْدُولَةٍ مثل صدْر القَنَاة تَعَرَّتْ وباطنها مُكْتَسي
لها مُقْلَةٌ هي روحٌ لها وتاج على هيئة البُرْنُسِ
إذا غازَلْتهَا الصَّبا حَرَّكت لساناً من الذَّهب الأملسِ
فنحنُ من النُّور في أسعدٍ وتلك من النَّار في أنحسِ
وفي المجلس أبو نصر بن كُشَاجم، فقَبَّل الأرضَ وزاد فيها:
وليلتنا هذه لَيْلَةٌ تشَاكِلُ أشكال أقليدس
فيا ربَّةَ العُود غني الغنا ويا حامل الكأس لا تحبسِ
وفيها دخلت الخراسانية فغزوا بلد ابن مَسْلَمَة وخرجوا بالسلامة والغنائم، وتضور أهل نَصِيبّين إلى ناصر الدولة بمصادرة العمّال، فأزال ضررهم وردّ إليهم كثيرًا من أموالهم، حتى قيل: إنّه قال لهم: قد أبحت لكم دماء من ظلمكم.
وفيها رجع غزاة خُراسان إلى بلادهم، ودخل سيف الدولة إلى حلب ومعه قوم من الخراسانية. ومعهم فيل، فمات الفيل بعد أيام، فاتّهموا أنّ النّصارى سمَّتْهُ.
ومات سيف الدولة في صفر، وبُعِثَ بتابوته إلى عند قبر أمّه. وكان تُقَى مولى سيف الدولة أكبر الأمراء، وكان قد أخذ من أنطاكية مالًا كثيرًا، حتى ضجّ الناس منه، وشكوه إلى قرغُوَيْه الحاجب نائب حلب، فأحبَّ أن يبعدَهُ عن الشام، فرفق به حتى جاء إلى حلب، ونفّذه مع التابوت المذكور في سبعمائة فارس وراجل، وقال له: أقِمْ بديار بكر، فإنّها مملكة مفتقرة إلى مثلك.
وأجمع رأي أبي المعالي ابن سيف الدولة على المجيء إلى حلب، فلما وافى تُقي بالتابوت إلى ميّافارقين، خرج أبو المعالي منها لتلقّيه، فصَعُب على تُقي، كون القاضي وابن سهل الكاتب وابن جلبة لم يترجّلوا له، فلمّا نزل قبض عليهم، فاضطرب لذلك البلد، فجهّزت والدة أبي المعالي إلى كبار الغلمان ولاطفتهم ففرَّقَتْهم عن تُقى، وقالوا: ما جئنا لنخرق بابن مولانا ولا لنقاتله، واجتمعوا على مخالفة تُقى، فلما أحسّ بذلك سار في حاشيته إلى ناحية أَرْزن، فلم يمكنه عبور النهر لزيادته، فرجع وتذلّل، فقبض عليه أبو المعالي وقيّده واعتقله بحصن كافا، وأخذ منه سبعة وعشرين ألف دينار وثلاثمائة ألف درهم كانت معه. -[22]-
وفيها قبض على الملك ناصر الدولة بن حمدان ولده أبو تغلب، لأن أخلاقه ساءت، وظلم وعسف وقتل جماعة وشتم أولاده وتزايد أمره، فقبض عليه ابنه بمشورة الدولة في جمادى الأولى ونفَّذه إلى قلعة، ورتب له كل ما يحتاج إليه، ووسّع عليه، وقال: هذا قد اختلّ مِزاجُه.
وفي رجب دخل أبو المعالي حلب وفرح الناس به.
وفي هذه الأيام نزلت الروم على رَعْبان، فسار عسكر حلب للكشف عنها، فترحل ملك الروم، ثم سار عسكر حلب فنزلوا على حصن سرجون فافتتحوه بعد أيام بالسيف بعد حرب عظيم، وأخذوا منه ما لا يوصف، وحصل من السبي خمسة آلاف آدميّ، ثم نازلوا حصن سنّ الحمراء، فافتتحوه وسبوا منه نحو الألف، وأسروا ثلاثمائة عِلْج، وأسروا سرجون لعنه الله، وهو الذي كان أسر أبا فراس بن حمدان فلله الحمد.
وغزت الخراسانية مع لؤلؤ الحجراجي من أنطاكية إلى ناحية المَصّيصة، فالتقاهم ثلاثة آلاف فارس من الروم، فنصر الله وقتلوا ألفاً من الروم، وأسروا خلقًا، وردّوا بالغنائم إلى أنطاكية، ثم عادوا غزوا فأصيبوا.
وسار نحو ألفي فارس من التُرْك إلى مصر لأنّ كافورًا راسلهم.
ودخل الثغر محمد بن عيسى رئيس الخراسانية ومعه ابن شاكر الطرسوسي، فظفروا وغنموا وردّوا بالغنائم. وتأخّر في الساقة محمد بن عيسى وابن شاكر في نحو ثمانمائة فارس، فدَهَمهُمْ جموع الروم، فقال ابن عيسى: ما أستحل أن أُوَلّيهم الدُّبُرَ بعد أن قَرُبُوا. وسار ابن شاكر يكشفهم فإذا هم فيما يقال في ثلاثين ألفًا، فرجع وقال: لا طاقة لك بهؤلاء، فلم يقبل، والتقاهم وقاتلوا أشدّ قتال، وأنكوا في الروم نكاية عظيمة، واستُشْهِد عامّة المسلمين، وبقي محمد بن عيسى في مائة وخمسين فارسًا، فقال له ابن شاكر: لا تُلْقي بيدك إلى التَهْلُكة، فقال له فقيه معه: إن وَلَّيْتَ الدُّبُرَ لحِقُوك وقتلوك وأنت فارَّ، فقاتَلَ حتى قتل أكثر أصحابه، ثم أُسِر محمد بن عيسى، وابن شاكر، ثم ورد الخبر بأن ابن عيسى اشترى نفسه بمائة ألف درهم وبمائة وعشرين عِلْجًا كانوا بأنطاكية، وبرطل فصوص فيروزج، وإنّه بعد ذلك غزا العدُوَّ وظفر، رحمه الله تعالى وغفر له.