-سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

فيها نقلت سنة خمسين وثلاثمائة من حيث المغلات إلى سنة إحدى وخمسين الخراجية، وكتب الصّابي كتابًا عن المطيع في المعنى، فمنه: أنّ السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يومًا وربع بالتقريب، وأنّ الهلالية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وكسرا، وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على اختلاف مذاهبها، وفي كتاب الله شهادة بذلك، قال الله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثلاثمائة سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، فكانت هذه الزيادة بإزاء ذلك. وأما الفُرْس فإنّهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهراً، وأيامها ثلاثمائة وستون يومًا، ولقّبوا الشهور اثني عشر لقبًا، وسمُّوا الأيام بأسامي، وأفردوا الأيام الخمسة الزائدة وسمّوها المشرقة، وكبسوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرًا؛ فلما انقرض مُلكهم بطل ذلك، وذكر كلامًا طويلاً حاصله تعجيل الخراج وحساب أيام الكبيس.

قال ثابت بن سنان: ودخلت الروم عين زَربه مع الدُّمُسْتُق في مائة وستين ألفًا، وهي في سفح جبل مُطِلٍّ عليها، فصعد بعض جيشه الجبل، ونزل هو على بابها، وأخذوا في نقب السور، فطلبوا الأمان، فأمّنَهُم، وفتحوا له، فدخلها ونَدِمَ حيث أمَّنَهم، ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع. فلما أصبح بثّ رجاله، وكانوا ستين ألفًا، فكلّ من وجدوه في منزله قتلوه، فقتلوا عالمًا لا يُحْصَى، وأخذوا جميع ما كان فيها. وكان من جملة ما أخذوا أربعون ألف رمح. وقطع - لعنه الله - من حوالي البلد أربعين ألف نخلة، وهدم البيوت وأحرقها. ونادى: مَن كان في الجامع فلْيذْهب حيث شاء، ومن -[8]- أمسى فيه قُتل، فازدحم الناس في أبوابه، ومات جماعة ومرّوا على وجوههم حُفاةً عُراةً لا يدرون أين يذهبون، فماتوا في الطُّرُقات جوعًا وعطشًا، وأخرب السُّور والجامع، وهدم حولها أربعة وخمسين حصنًا، أخذ منها بالأمان جملة ومنها بالسيف. انتهى قول ثابت.

ولما عاد إلى بلاده أعاد سيف الدولة عينَ زَربه إلى بعض ما كانت، وظنّ أنّ الدُمُسْتق لا يعود إلى البلاد في العام فلم يستعدّ، فبينا هو غافل وإذا بالدُمُسْتُق قد دَهَمه ونازل حلب ومعه ابن أخت الملك، فخرج إليه وحاربه، والدُمُسْتُق في مائتي ألفٍ بالرجالة وأهل الحصار، فلم يَقْوَ به سيف الدولة وانهزم في نفر يسير. وكانت داره بظاهر حلب، فنزلها الدمستق وأخذ منها ثلاثمائة وتسعين بدرة دراهم، وألفاً وأربعمائة بغْل، ومن السلاح ما لا يُحْصَى، فنهبها ثم أحرقها، وملك رَبَض حلب. وقاتله أهل حلب من وراء السور، فقتلوا جماعة من الروم، فسقطت ثُلمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم، فأَكبّت الروم على تلك الثُلمة، فدافع المسلمون عنها، فلما كان الليل بنوها، ولما أصبحوا صعدوا عليها وكبّروا، فعدل الروم عنها إلى جبل جَوْشَن فنزلوا به، ومضى رَجّالة الشُّرط بحلب إلى بيوت الناس فنهبوها، فقيل لمن على السُّور: الحقوا منازلكم، فنزلوا وأخلوا السور، فتسورته الروم ونزلوا ففتحوا الأبواب ودخلوها، فوضعوا السيف في الناس حتى كلّوا وملّوا، وسبوا أهلها وأخذوا ما لا يُحصى، وأخربوا الجامع، وأحرقوا ما عجزوا عن حمله، ولم يَنْجُ إلّا من صعد القلعة.

ثم ألحّ ابن أخت الملك في أخذ القلعة، حتى أنه أخذ سيفًا وترسًا وأتى إلى القلعة، ومَسْلَكُها ضيّق لا يحمل أكثر من واحد، فصعد وصعدوا خلفه. وكان في القلعة جماعة من الدَّيْلَم، فتركوه حتى قَرُب من الباب وأرسلوا عليه حجرًا أهلكه، فانصرف به خواصُّه إلى الدُمُسْتُق، وكان قد أسر من أعيان حلب ألفًا ومائتين فضرب أعناقهم بأسرهم، وردّ إلى أرض الروم ولم يؤذ أهل القرى، وقال لهم: ازرعوا فهذا بلدنا، وبعد قليل نعود إليكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015