عليك بنفسك، إن لم تشغلها بالحقّ، شَغَلَتْكَ عن الحقّ.
وقيل: إنّه لمّا صُلِب، يعني سنة إحدى وثلاث مائة، قال: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ}. وقال: حجبهم الاسم فعاشوا، ولو أبرز لهم علوم القُدرة لطاشوا، ولو كشف لهم عن الحقائق لماتوا.
وقال: علامة العارف أن يكون فارغا عن الدّنيا والآخرة.
قيل: هذا كلام نجس، لأنّ الله تعالى يقول: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لها سعيها} الآية. وقال: لأفضل الأمة وهم الصّحابة: {مِنْكُمْ مَن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخرة} فمن فرغ عن الدنيا والآخرة فهو واللَّه مدّعٍ فشّار وأحمق بطّال، بل مُريد للدّنيا والآخرة. -[26]-
وكتبَ الحلاج مرةً إلى أبي العبّاس بن عطاء كتابا فيه من شِعْره:
كتبتُ ولم أكتب إليك وإنّما ... كتبتُ إلى روحي بغير كتابِ
وذاك لأنّ الروح لا فرق بينها ... وبين محبيها بفصل خِطاب
فكُّلُّ كتابٍ صادرٍ منكَ واردُ ... إليكَ بلا رَدِّ الجواب جوابي
وله:
مُزِجَتْ روحُك في روحي كما ... تُمزُج الخمرةُ بالماء الزُّلال
فإذا مسّكَ شيءُ مَسَّني ... فإذا أنت أنا في كلّ حال
وقيل: إنه لما أُخرج ليُقتل، قال:
طلبتُ المستقرّ بكلّ أرضٍ ... فلم أرَ لي بأرضٍ مستقرّا
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنّي قنعتُ لكنت حُرّا
وأخباره أكثر من هذا في " تاريخ الخطيب "، وفيما جمع ابن الْجَوزيّ من أخباره، ثمّ إنِّي أفردتها في جزء.