يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَهُ. وَأَرَاهُ قَالَ: يَحْمِيهِ، فَقُلْتُ: كُنْ طَلْحَةَ؛ حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي، قُلْتُ: يَكُونُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي أحب إلي. وبيني وبين المشرق رجل لَا أَعْرِفُهُ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، وَهُوَ يَخْطِفُ الْمَشْيَ خَطْفًا لَا أَخْطِفُهُ. فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ. فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي وَجْهِهِ حَلَقَتَانِ مِنْ حَلْقِ الْمِغْفَرِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَيْكُمَا صَاحِبُكُمَا؛ يُرِيدُ طَلْحَةَ وَقَدْ نَزَفَ. فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَذَهَبْتُ لِأَنْزِعَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي. فَتَرَكْتُهُ. فَكَرِهَ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَيُؤْذِي النَّبِيَّ، فَأَزَمَّ عَلَيْهِمَا بِفِيهِ، فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى الْحَلَقَتَيْنِ. وَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ مَعَ الْحَلَقَةِ. وَذَهَبْتُ لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بحقي لما تركتني. ففعل ما فعل فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلَقَةِ. فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هَتْمًا، فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا قَدْ قُطِعَتْ إِصْبَعُهُ. فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عن أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ. وَلَقَدْ رَأَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ تَجَاوَزَهُ. فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوَانُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، أَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، خَرَجْنَا أَرْبَعَةٌ فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمْ نَخْلُصُ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي رَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَجْنَتَيْهِ: ابْنُ قَمِئَةَ، وَالَّذِي رَمَى شَفَتَيْهِ وَأَصَابَ رَبَاعِيَتَهُ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.