وَقَالَ أَبُو الأشهب، عَنِ الحسن قَالَ: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتّى مَا أبصر السماء، وإنّ رجلًا رفع مُصْحَفًا من حُجُرات النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمّ نادى: ألم تعلموا أن محمدًا قد برئ ممّن فرَّقُوا دِينَهم وكانوا شيعًا.

وَقَالَ سلّام: سمعت الحسن، قَالَ: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل، فَقَالَ: أسألك كتاب الله، فقال: ويْحَك، أليس معك كتاب الله! قَالَ: ثمّ جاء رجلٌ آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتّى كَثُرُوا، ثمّ تحاصبوا حتّى لم أر أديمَ السماء.

وروى بِشْر بْن شَغَاف، عَنْ عبد الله بْن سلّام قَالَ: بينما عثمان يخطُب، فقام رجل فنال منه، فَوَذَأْتُه فاتَّذَأ، فَقَالَ رجل: لَا يمنعك مكان ابن -[243]- سلام أن تسبّ نَعْثَلًا، فإنّه من شيعته، فَقُلْتُ له: لقد قلتَ القولَ العظيم في الخليفة من بعد نوح.

وَذَأْتُه: زَجَرْتُه وقمعتُه، وقالوا لعثمان: " نَعْثَلًا "، تشبيهًا له برجلٍ مصريّ اسمه نَعْثَل كان طويل اللّحْية، والنَّعْثَل: الذَّكَر من الضِّباع، وكان عُمَر يُشَبَّه بنوحٍ في الشِّدَّة.

وَقَالَ ابن عُمَر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جَهْجاه الغفاريّ، فأخذ من يده العصا فكسرها على رُكْبَته، فدخلت منها شظِيَّةٌ في رُكِبْته، فوقعت فيها الأكِلَة، وَقَالَ غيره: ثمّ إنّهم أحاطوا بالدّار وحصروه، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتُمْ في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فَضَعُوهُمَا.

وَقَالَ ثُمَامة بْن حَزْن القُشَيْرِيّ: شهِدْتُ الدّار وأشرف عليهم عثمان، فَقَالَ: ائتوني بصاحبيكم اللّذين ألَّباكم، فدعيا له كأنّهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكما الله أتعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدِم المدينة وليس فيها ماءٌ عَذْب غير بئر رومة، فَقَالَ: " من يشتريها فيكون دَلْوُه كدِلاء المُسْلِمين، وله في الجنة خيرٌ منها " فاشتريتُها، وأنتم اليوم تمنعوني أنْ أشرب منها حتّى أشرب من الماء المالح؟ قالا: اللهم نعم، قال: أنشدكما الله والإسلام، هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مِنَ يشتري بُقْعَةً بخيرٍ له منها في الجنّة "، فاشتريتُها وزِدْتُها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالا: اللهم نعم، قال: أنشدكما الله، هل تعلمون أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على ثَبِير مكَة، فتحرك وعليه أَبُو بكر وعمر وأنا، فَقَالَ: " أسْكُنْ فليس عليك إلّا نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان "؟ قالا: اللهم نعم، فقال: الله أكبر شهدا وربَّ الكعبة أنّي شهيد.

ورواه أَبُو سلمة بْن عبد الرحمن بنحْوه، وزاد فيه أنّه جهّز جيش الْعُسْرَةِ.

ثُمَّ قَالَ: ولكنْ طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سِرْبالٍ سَرْبَلَنِيه الله، وإنّي لَا أخلعه حتّى أموت أو أقتل. -[244]-

وعن ابن عُمَر قَالَ: فأشرف عليهم، وَقَالَ: عَلَام تقتلونني؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاث: كُفْرُ بعد إسلام، أو رجل زَنَى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسًا "، فَوَاللَّهِ ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت رجلًا ولا كفرت.

قَالَ أَبُو أُمَامَة بْن سهل بْن حنيف: إنّي لمع عثمان وهو محصور، فكنّا ندخل إليه مدخلا - إذا دخل إليه الرجل - سمع كلام من على البلاط، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغيّر اللون، فَقَالَ: إنّهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكْفِيكَهُمُ الله.

وَقَالَ سَهْلٌ السَّرَّاجُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ عُثْمَانُ: لَئِنْ قَتَلُونِي لَا يُقَاتِلُونَ عَدُوًّا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلا يَقْتَسِمُونَ فَيْئًا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلا يُصَلُّونَ جَمِيعًا أَبَدًا، وَقَالَ مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثمّ أرسل إلى عبد الله بْن سلام، فقال: ما ترى؟ فقال: الكَفّ الكَفّ، فإنّه أبلغ لك في الحُجَّة، فدخلوا عليه، فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه.

وَقَالَ الحسن: حدّثني وثّاب، قَالَ: بعثني عثمان، فدعوت له الأشترَ، فَقَالَ: مَا يريد النّاس؟ قَالَ: إحدى ثلاث: يخيِّرُونك بين الخلْع، وبين أن تقتص من نفسك، فإنْ أبيتَ فإنّهم قاتلوك، فَقَالَ: مَا كنت لأخلع سِرْبالًا سَرْبَلَنيِهُ الله، وبدني مَا يقوم لقَصاص.

وقال حميد بن هلال: حدثنا عبد الله بْن مُغَفَّلٍ، قَالَ: كان عبد الله بْن سلّام يجيء من أرضٍ له على حمار يوم الجمعة، فلما هاجوا بعثمان قال: يا أيها النّاس، لَا تقتلوا عثمان، واستعتِبُوه، فوالذي نفسي بيده مَا قتلت أمَّةٌ نبيَّها فصلُح ذات بينهم حتّى يُهْرِيقُوا دمَ سبعين ألفًا، وما قتلت أمَّةٌ خليفتها فيُصْلِحُ الله بينهم حتّى يُهْرِيقُوا دمَ أربعين ألفًا، وما هلكت أمّةٌ حتى يرفعوا -[245]- القرآن على السلطان. قَالَ: فلم ينظروا فيما قَالَ، وقتلوه، فجلس على طريق عليّ بْن أبي طالب، فَقَالَ له: لَا تأتِ العراق وَالْزَمْ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالذي نفسي بيده لئن تركْتَهُ لَا تراه أبدًا، فَقَالَ من حول عليّ: دعنا نقتله، قَالَ: دعوا عبد الله بْن سلّام، فإنّه رجل صالح.

قَالَ عبد الله بْن مُغَفَّلٍ: كنت استأمرت عبد الله بْن سلّام في أرضٍ أشتريها، فَقَالَ بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون صُلْح فاشْتَرِها، قيل لحُمَيْد بْن هلال: كيف ترفعون القرآن على السُّلطان؟ قَالَ: ألم تر إلى الخوارج كيف يتأوَّلُون القرآن على السُّلطان؟ ودخل ابن عُمَر على عثمان وهو محصور، فَقَالَ: ما ترى؟ قال: أرى أن نعطيهم مَا سألوك من وراء عَتَبة بابِك غير أن لَا تَخْلَع نفسَك، فَقَالَ: دونك عَطاءك - وكان واجدا عليه - فقال: ليس هذا اليوم ذاك، ثمّ خرج ابن عُمَر إليهم، فَقَالَ: إيّاكم وقُتِل هذا الشيخ، واللَّهِ لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعا أبدا، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلّا أن تجتمع الأجسادُ والأهواءُ مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوافِرون نقول: أَبُو بكر، ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ عثمان. رواه عاصم بْن محمد العُمَرِيّ، عَنْ أبيه، عَنِ ابن عمر.

وعن أبي جعفر القارئ قَالَ: كان المصريون الذين حصروا عثمان ست مائة: رأسهم كِنَانة بْن بِشْر، وابن عُدَيْس البَلَوِيّ، وعَمْرو بْن الحَمِق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النَّخَعِيّ، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حُكَيْم بْن جَبَلة، وكانوا يدًا واحدة في الشّرّ، وكانت حُثَالةٌ من النَّاس قد ضَووا إليهم، وكان أصحاب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين خذلوه كرِهُوا الفتنة وظنّوا أنّ الأمر لَا يبلغ قتله، فلمّا قُتِل نِدموا على مَا ضيّعوا في أمره، ولَعَمْري لو قاموا أو قام بعضُهم فحثا في وجوه أولئك التُّراب لانْصَرَفُوا خاسئين.

وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكّار: حدّثني محمد بْن الحسن قَالَ: لمّا كثُر الطَّعْن على عثمان تنحّى عليٌّ إلى ماله بيَنْبُع، فكتب إليه عثمان: أمّا بعد فقد بلغ -[246]- الحزام الطبيين، وخلف السَّيْلُ الزُّبي، وبلغ الأمرُ فوق قدْره، وطمع في الأمر من لَا يدفع عَنْ نفسه:

فإن كنت مأكولًا فكُنْ خير آكلٍ ... وإلّا فأدْرِكْني ولَمّا أُمَزَّقِ

والبيت لشاعر من عبد القيْس.

الطّبْي: مَوْضِعُ الثَّدْيِ من الْخَيْلِ.

وَقَالَ محمد بْن جُبَيْر بْن مُطْعم: لمّا حُصر عثمان أرسل إلى عليّ: إنّ ابن عمِّك مقتول، وإنك مسلوب.

وعن أبان بْن عثمان قَالَ: لمّا أَلَحُّوا على عثمان بالرَّمْي، خرجتُ حتّى أتيت عليًّا، فَقُلْتُ: يا عمّ أهْلَكَتنا الحجارة، فقام معي، فلم يزل يرمي حتى فتر مَنْكِبُهُ، ثُمَّ قال: يا ابن أخي، أجمع حَشَمَك، ثمّ يكون هذا شأنك.

وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بْن عليّ: إن عثمان بعث إلى عليّ يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلّقوا به ومنعوه، فحسر عمامةً سوداء عَنْ رأسه وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا أرضى قتْلَه ولا آمُرُ به.

وعن أبي إدريس الخوْلاني قَالَ: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلَّمه، فَقَالَ له سعد: أرسِلْ إلى عليّ، فإنْ أتاك ورضي صَلُح الأمرُ، قَالَ: فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه عليّ، فمرّ بمالك الأشتر، فَقَالَ الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فَقَالَ: واللَّهِ لَئِنْ دخل عليه لَتُقْتَلُنَّ عَنْ آخِرِكم، فقام إليه في أصحابه حتّى اختلجه عَنْ سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتْلَه، فأسرِعوا، فدخلوا عليه فقتلوه.

وعن أبي حبيبة قَالَ: لمّا اشتدّ الأمر، قالوا لعثمان - يعني الذين عنده في الدّار - أئذَنْ لنا في القتال، فَقَالَ: أعْزِمُ على من كانت لي عليه طاعةٌ أنْ لَا يقاتل.

أَبُو حبيبة هو مولى الزُّبَيْر، روى عنه موسى بن عقبة. -[247]-

وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عن مسور بن مَخْرَمَةَ. (ح)، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عمه، عن ابن الزبير. (ح)، وحدثنا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالُوا: بَعَثَ عُثْمَانُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ مَحْصُورٌ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُجَهِّزَ إِلَيْهِ جَيْشًا سَرِيعًا، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، رَكِبَ مُعَاوِيَةُ لوقته هو ومسلم بن عقبة، ومعاوية بن حُدَيْجٍ، فَسَارُوا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى عُثْمَانَ عَشْرًا، فَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَقَبَّلَ رَأْسَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَيْنَ الْجَيْشُ؟ قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا فِي ثَلاثَةِ رَهْطٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا وَصَلَ اللَّهُ رَحِمَكَ، وَلا أَعَزَّ نَصْرَكَ، وَلا جَزَاكَ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ لَا أُقْتَلُ إِلَّا فِيكَ، وَلا يُنْقَمُ عَلَيَّ إِلَّا مِنْ أَجْلِكَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَوْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جَيْشًا فَسَمِعُوا بِهِ عَاجَلُوكَ فَقَتَلُوكَ، وَلَكِنَّ مَعِي نَجَائِبَ، فَاخْرُجْ معي، فما شعر بِي أَحَدٌ، فَوَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلاثٌ حَتَّى نَرَى مَعَالِمَ الشَّامِ، فَقَالَ: بِئْسَ مَا أَشَرْتَ بِهِ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ، فَأَسْرَعَ مُعَاوِيَةُ راجعا، ورد المسور يريد المدينة فلقي معاوية بِذِي الْمَرْوَةِ رَاجِعًا، وَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ ذَامٌّ لِمُعَاوِيَةَ غَيْرُ عَاذِرٍ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي حَصْرِهِ الآخِرِ، بَعَثَ الْمِسْوَرَ ثَانِيًا إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيُنْجِدَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ أَحْسَنَ فَأَحْسَنَ اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ غَيَّرَ فَغَيَّرَ اللَّهُ بِهِ، فشددتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: تَرَكْتُمْ عُثْمَانَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ نَفْسُهُ فِي حُنْجُرَته قُلْتُمُ: اذْهَبْ فَادْفَعْ عَنْهُ الْمَوْتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِيَدِي، ثُمَّ أَنْزلني فِي مَشْرَبَةٍ عَلَى رَأْسِهِ، فَمَا دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ.

وأمّا سَيْف بْن عُمَر، فروى عَنْ أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لمّا أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بْن مسْلَمَة الفِهْرِيّ، فَقَالَ: أشِرْ عليَّ برجلٍ مُنَفِّذٍ لأمري، ولا يقصِّر، قَالَ: مَا أعرف لذاك غيري، قَالَ: أنت لها، وجعل على مقدّمته يزيد بْن شجعة الحِمْيَريّ في ألفٍ، وَقَالَ: إنْ قدمت -[248]- يا حبيب وقد قُتِلَ، فلا تَدَعَنّ أحدًا أشار إليه ولا أعان عليه إلّا قتلته، وإنْ أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقمْ حتى أنظر، وبعث يزيد شجعة في ألفٍ على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الرَّوَايَا فأغذَّ السَّير، فأتاه قتْلُهُ بقُربْ خيْبَرَ. ثمَّ أتاه النُّعمان بْن بشير، معه القميص الذي قتلوه فيه، فيه الدّماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق، والأصابع معلّقة فيه، وآلى رجالٌ من أهل الشّام لَا يأتون النّساء ولا يمسُّون الْغُسْلَ إلّا من حُلُم، ولا ينامون على فراشٍ حتّى يقتلوا قَتَلَةَ عثمان، أو تَفْنَى أرواحهُم، وبَكَوْه سنةً.

وَقَالَ الأوزاعيّ: حدثني محمد بْن عبد الملك بْن مروان، أنّ المُغيرة بن شُعْبَة، دخل على عثمان وهو محصور، فَقَالَ: إنّك إمام العامَّة، وقد نزل بك مَا نرى، وإني أعرض عليك خِصالًا: إما أن تخرج فتقاتلهم، فإنّ معك عددًا وقوّة، وإمّا أنْ تَخْرق لك بابًا سوى الباب الَّذِي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتَلْحق بمكة، فإنَّهم لن يستحلُّوك وأنت بها، وإمّا أن تلحق بالشّام، فإنّهم أهل الشّام، وفيهم معاوية، فَقَالَ: إنّي لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أوّل من خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّته بسفْك الدِّماء.

وَقَالَ نافع، عَنِ ابن عُمَر: أصبح عثمان يحدّث النَّاس قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الليلة في المنام، فقال: " أفطرعندنا غدًا "، فأصبح صائمًا، وقُتِلَ من يومه.

وَقَالَ محمد بن سيرين: ما أعلم أحدا يتَّهم عليًّا في قتْل عثمان، وقُتِلَ وإنّ الدَّارَ غاصَّة، فيهم ابن عُمَر، والحسن بْن عليّ، ولكنَّ عثمان عزم عليهم أن لَا يقاتلوا.

ومن وجه آخر، عَنِ ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عُمَر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير، ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لَا نبْرَح، وخرج الآخرون. -[249]-

وَقَالَ ابن سيرين: كان مع عثمان يَوْمَئِذٍ في الدّار سبع مائة، لو يَدَعُهُم لَضَرَبوهم حتّى يُخْرِجُوهم من أقطارها.

وروي أنّ الحسن بن علي ما راح حتى جرح.

وقال عبد الله بْن الزُّبَيْر: قلت لعثمان: قاتِلْهم، فوَالله لقد أحلّ الله لك قِتَالهم، فَقَالَ: لَا أقاتلهم أبدًا، فدخلوا عليه وهو صائم، وقد كان عثمان أمَّر ابن الزُّبَيْر على الدار، وَقَالَ: أطيعوا عبد الله بْن الزُّبَيْر.

وَقَالَ ابن سيرين: جاء زيد بْن ثابت في ثلاث مائة مِنَ الأَنْصَار، فدخل على عثمان، فَقَالَ: هذه الأنصار بالباب، فَقَالَ: أمّا القتال فلا.

وَقَالَ أَبُو صالح، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: دخلت على عثمان يوم الدَّار، فَقُلْتُ: طاب الضَّرْبُ، فَقَالَ: أيَسُرُّك أنْ يُقْتل النّاسُ جميعًا وأنا معهم؟ قلت: لَا، قَالَ فإنّك إنْ قتلت رجلًا واحدًا، فكأنما قتلت النَّاس جميعًا، فانصرفت ولم أقاتل.

وعن أبي عَون مولى المِسْوَر قَالَ: مَا زال المصريّون كافّين عَنِ القتال، حتّى قدِمَتْ أمدادُ العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سَرْحٍ من مصر، فقالوا: نُعاجِلُهُ قبل أن تَقْدَم الأمداد.

وعن مسلم أبي سعيد قَالَ: أعتق عثمان عشرين مملوكًا، ثمّ دعا بسراويل، فشدّها عليه، ولم يلْبَسْها في جاهلية ولا إسلام، وَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة، وأبا بكر، وعمر، فَقَالَ: " اصْبِرْ فإنّك تُفْطِر عندنا القابلة "، ثمّ نشر الْمُصْحَفَ بين يديه، فقُتِلَ وهو بين يديه.

وَقَالَ ابن عَوْن، عَنِ الحَسَن: أنبأني وثّاب مولى عثمان قَالَ: جاء رُوَيْجل كأنّه ذِئبٌ، فاطَّلع من بابٍ، ثمّ رجع، فجاء محمد بْن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلًا، فدخل حتّى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فَقَالَ بها حتى سمعتُ وقع أضْراسه، فَقَالَ: مَا أغنى عنك معاوية، مَا أغنى عنك ابن عامر، مَا أغْنتْ عنك كتبك، فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي، قَالَ: فأنا رأيُتُه استعْدَى رجلًا من القوم عليه يُعِينُهُ، فقام إلى عثمان بمِشْقَصٍ، حتّى وجَأ به في رأسه ثُمَّ تَعَاوَرُوا عليه حتّى قتلوه. -[250]-

وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدّار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا ابن أخي دع لحيتي، فإنك لَتَجْذُب مَا يعزُّ على أبيك أن تُؤْذِيها، فرأيته كأنه استحيى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا ارجعوا ألا ارجعوا، قالت: وجاء رجلٌ من خلف عثمان بسعفَة رَطْبة، فضرب بها جبهَتَه فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: " اللَّهُمَّ لَا يطلب بدمي غيرك "، وجاء آخر فضربه بالسَّيف على صدره فأقْعَصَه، وتَعَاوَرُوه بأسيافهم، فرأيتُهم ينْتَهِبُون بيته.

وَقَالَ مجالد، عَنِ الشَّعْبِيّ قَالَ: جاء رجل من تُجَيْب من المصريين، والنّاس حول عثمان، فاسْتَلَّ سيفه، ثمّ قَالَ: أفْرِجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطْن عثمان، فأمسكت نائلة بنتُ الفَرافصة زوجةُ عثمان السيف لتمنع عنه، فحزّ السيف أصابعها.

وقيل: الَّذِي قتله رجلٌ يقال له: حمار.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ تَسَوَّرَ مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى عُثْمَانَ، وَمَعَهُ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ، وَسُودَانُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، فَوَجَدُوهُ عِنْدَ نَائِلَةَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَتَقَدَّمَهُمْ مُحَمَّدٌ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ: يَا نَعْثَلُ قَدْ أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِنَعْثَلٍ وَلَكِنَّنِي عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، قَالَ: يا بن أَخِي دَعْ لِحْيَتِي، فَمَا كَانَ أَبُوكَ لِيَقْبِضَ عَلَى مَا قَبَضْتَ، فَقَالَ: مَا يُرَادُ بِكَ أَشَدَّ مِنْ قَبْضَتِي، وَطَعَنَ جَنْبَهُ بِمِشْقَصٍ، وَرَفَعَ كِنَانَةُ مَشَاقِصَ فَوَجَأَ بِهَا فِي أُذُنِ عُثْمَانَ، فَمَضَتْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي حَلْقِهِ، ثُمَّ عَلاهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي عَوْنٍ يَقُولُ: ضَرَبَ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ جَبِينَهُ بِعَمُودِ حَدِيدٍ، وَضَرَبَهُ سُودَانُ الْمُرَادِيُّ فَقَتَلَهُ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، وَبِهِ رَمَقٌ، وَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ وَقَالَ: ثَلاثٌ لِلَّهِ، وَسِتٌّ لِمَا فِي نَفْسِي عَلَيْهِ. -[251]-

وعن المُغِيرَة قَالَ: حصروه اثنين وعشرين يومًا، ثمّ احرقوا الباب، فخرج من في الدّار.

وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: فَتَحَ عُثْمَانُ الْبَابَ وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللَّهِ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهُ بِيَدِهِ فَقَطَعَهَا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهَا لأَوَّلُ كَفٍّ خَطَّتِ الْمُفَصَّلَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْمَوْتُ الأَسْوَدُ، فَخَنَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ حَلْقِهِ، لَقَدْ خَنَقْتُهُ حَتَّى رَأَيْتُ نفسه مثل الجان تردد فِي جَسَدِهِ.

وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: قُتِل عند صلاة العصر، وشدّ عبدٌ لعثمان على كِنانة بن بشر فقتله، وشدّ سودان على العبد فقتله.

وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: ضربوه فجرى الدَّمُ على المُصْحَف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

وَقَالَ عمران بْن حُدَيْر، إلّا يكن عبد الله بْن شقيق حدّثني: أنّ أوّل قطرةٍ قطرت من دمه على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، فإنّ أبا حُرَيْث ذكر أنّه ذهب هو وسُهَيْلٌ المُرِّيّ، فأخرجوا إليه الْمُصْحَفَ، فإذا قطرة الدَّم على {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} قَالَ: فإنها في المُصْحَف مَا حُكَّتْ.

وَقَالَ محمد بْن عيسى بْن سُمَيْع، عَنِ ابن أبي ذئب، عَنِ الزُّهْرِيّ: قلت لسعيد بْن المسيب: هل أنت مُخْبري كيف كان قتل عثمان؟ قَالَ: قُتِلَ مظلومًا، ومن خذله كان معذورًا، ومن قتله كان ظالمًا، وإنّه لمّا استُخْلف كره ذلك نفرٌ من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه ويولّيهم، فكان يكون منهم مَا تُنْكره الصَّحابة فيُسْتَعْتَبُ فيهم، فلا يعزِلُهُمّ، فلمّا كان في السّتّ الحِجَج الأواخر استأثر ببني عمّه فولّاهم وما أشرك معهم، فولّى عبد الله بْن أبي -[252]- سرح مصر، فمكث عليها، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كان قبل ذلك من عثمان هَنَاتٌ إلى ابن مسعود، وأبي ذَرّ وعمّار، فحنق عليه قومُهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سَرْح، فكتب إليه يتهدده فأبى وضرب بعضَ من أتاه ممّن شكاه فقتله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015