-سنة ثمانٍ وسبعين ومائتين

تُوُفيّ فيها: أَحْمَد بْن عُبَيْد بْن ناصح، وإِبْرَاهِيم بْن الهيثم البلديّ، وعبد الكريم بْن الهيثم الديرعاقولي، والأمير أبو أَحْمَد الموفَّق، ومحمد بن -[471]- شداد المسمعيّ، وموسى بْن سهل الوشّاء، وموسى بْن عِيسَى بْن المنذر الحمصي، وهاشم بْن مرثد الطبراني.

وفيها وردت الأخبار أن نيل مصر غار ونقص نقصًا عظيمًا، وغلت الأسعار. قَالَ أبو المظفر بْن الجوزي: غار النيل فلم يبق منه شيء.

قلت: ولم يتعرض المسبحي فِي تاريخه إلى شيء من ذلك.

وَفِي المحرم انصرف الموفَّق من الجبل إِلَى بغداد مريضًا، وكان به نُقْرُس. وزاد مرضه فصار داء الفيل. وكان يبردون رجليه بالثلج، ويحمل على سرير، يحمله عشرون نفسًا. فقال مَرَّة للذين يحملون: لعلكم قد ضجرتم منّي. وددت والله أني كأحدكم أحمل على رأسي وآكل، وأني في عافية. وقال في مرضه هذا: قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق، وما أصبح فيهم أسوأ حالًا مني.

وزاد به انتفاخ رجله ومات.

وفيها ظهرت القرامطة بسواد الكوفة؛ وقد اختلفوا فيهم على أقوال: أحدها: إنّه قَدِمَ رجلٌ من ناحية خوزستان إِلَى الكوفة، فنزل النهرين وأظهر الزهد والتقشف، يعمل الخوص ويقوم ويصوم. وَإِذَا جلس إليه إنسان وعظه وزهده في الدنيا، وأعلمه أن الصلوات المفترضة في اليوم والليلة خمسون صلاة. حتى فشا ذلك عنه. ثم أعلمهم أنه يدعو إِلَى إمام من أَهْل البيت، فكانوا يجلسون إليه. ثُمَّ نظر نخلًا، فكان يأخذ من بقالٍ كل ليلة رطل تمر يفطر عليه، ويبيعه النوى. فأتاه أصحاب النخل فأهانوه، وقَالَوا: ما كفاك أكل تمر النخل حَتَّى تبيع النوى؟ فقال البقال: ويحكم ظلمتموه، فإنه لم يذق تمركم، وإنما يشتري مني التمر فيفطر عليه، ويبيعنيّ النوى. فندموا على ضربه وتحللوه، وازداد نبلًا عند أَهْل القرية، وتبعه جماعة، فكان يأخذ من كل رجلٍ دينارًا، واتخذ منهم اثني عشر نقيبًا. وفرض عليهم كل يومٍ خمسين صلاة، سوى نوافل اشتغلوا بها عن زراعتهم، فخربت الضياع. وكانت للهيصم هناك ضياع فقصروا، فبلغه شأنه، فطلبه وسأله عن أمره، فَأَخْبَرَه ودعاه إِلَى مذهبه. فحبسه فِي بيتٍ وحلف ليقتلنه. فسمعته جارية من -[472]- جواريه، فرقت له، وأخذت المفتاح وفتحت عليه. ثُمَّ قفلت الباب، وأعادت المفتاح إِلَى مكانه، فانتبه الهيصم ففتح الباب فلم يجده. وقَالَ النّاس: رفع إِلَى السماء.

ثُمَّ ظهر فِي مكانٍ آخر، فسألوه عن قصته فقال: من تعرض لي بسوء هلك. ثم تسحب إِلَى الشّام، فلم يعرف له خبر. وصحبه رجل يقال له كرميتة، ثم خفف، فَقِيلَ قرمط.

وَفِي قولٍ: كان هَذَا الرجل قد لقي الخبيث ملك الخوارج الزَّنْج، فقال له: ورائي مائة ألف سيف، فوافقني على مذهبي حَتَّى أصير إليك بمن معي.

وتناظرا فاختلفا، ولم يتفقا، فافترقا.

والقول الثاني: إن أول من أظهر لهم مذهبهم رجلٌ يُقَالُ له محمد الوَرَّاق يعرف بالمقرمط الكوفي. شرع لهم شرائع وتراتيب خالف بها دين الْإِسْلَام.

والثالث: إنّ بعض دعاتهم اكترى دواب من رَجُل يُقَالُ له قرمط بْن الأشعث، فدعاه فأجابه.

والقول الأول أشهر.

ثم هم فِرَق: القرامطة، والباطنية، والخُرَّمية، والبابكية، والمحمرة، والسبعية، والتعليمية.

فمن قول القرامطة: إن محمد ابن الحنفية هُوَ المهديّ، وَإِنَّهُ جبريل، وَإِنَّهُ هُوَ المسيح، وإنه هو الدابة. ويزيدون في أذانهم: وإن نوحًا رسول الله، وإن عِيسَى رسول الله، وأن محمد ابن الحنفية رسول الله، وإن الحج والقبلة إِلَى بيت المقدس، ويوم الجمعة والاثنين والخميس يوم استراحة، وإن الصوم فِي السنة يومان: يوم النيروز ويوم المهرجان، وإن الخمر حلال، ولا غسل من الجنابة.

وتَحَيَّلُوا على المسلمين بطرق شتى، ونفق قولهم على الجهال وأهل البر، ويُدخلون على الشيعة بما يوافقهم، وعلى السنة بما يوافقهم. ويخدعون الطوائف، ويظهرون مع كل فرقة أنهم منهم.

وأما الباطنية، فقالت: لظواهر الآيات والأحاديث بواطن تجري -[473]- مجرى اللُّبّ من القشر. واحتجوا لكل آية ظهر وبطن، وأن من وقف على علم الباطن سقطت عنه التكاليف.

وأما الخرمية، فخرم اسم أعجمي معناه الشيء المستلذ، وهم أهل الإباحة من المجوس الّذين نبغوا فِي أيام قباذ، فأباحوا المحظورات.

وأما البابكية، فأصحاب بابك الخرمي. لهم ليلة فِي السنة يختلط فيها النساء والرجال، فَمَنْ وقعت فِي يده امْرَأَة استحلها، إِلَى غير ذلك من الخروج عن الملة.

وأما المحمرة، فيلبسون الثياب الحمر، ولهم مقالة.

وأما السبعية، فزعموا أن الكواكب السبعة تدبر العالم السفلي.

وأما التعليمية، فأبطلوا القياس؛ ولا عِلْمَ عندهم إلّا ما تُلُقِّيَ من إمامهم.

والإسماعيلية من القرامطة. وقِيلَ: إنّ قرمط غلام إسماعيل بن جعفر الصادق، ولم يصح.

وكل هَؤُلَاء يذهبون إِلَى مذهب الملاحدة كزرادشت، ومزدك، وماني، الّذين جحدوا النبوة وأباحوا المحظورات. وقالوا بقول الفلاسفة والدهرية، لعنهم الله.

وفيها غزا يازمان الخادم حصن سلند، فنصب عليه المجانيق وكاد يفتحه، فجاءه حجرٌ من الحصن فقتله، فارتحلوا به وبه رمقٌ، فمات فِي الطريق. وحمل فدفن بطرسوس. وكان شجاعًا، جوادًا، كريمًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015