-ع: عبد الرحمن بْن عوف بن عبد عَوْف بْن عبد الحارث بْن زُهْرَةَ بْن كِلاب، أَبُو محمد القُرَشِيّ الزُّهْرِيّ. [المتوفى: 32 ه]
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشُّورَى. -[211]-
رَوَى عَنْهُ: بنوه إبراهيم، وحُمَيْد، وعَمْرو، ومُصْعَب، وأبو سلمة، ومالك بْن أوس بْن الحدثان، وأنس بن مالك، ومحمد بْن جُبَيْر بْن مُطْعم، وغِيلان بْن شُرَحْبيل، وآخرون.
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة. وكان على مَيْمَنة عُمَر في قدْمَتِه إلى الجابية، وعلى ميسرته في نوبة سَرْغ.
مولده بعد الفيل بعشر سنين، وقد أسقط البخاري وغيره " عبدًا " من نسبه.
وَقَالَ الهيثم بْن كُلَيْب وغيره: " عبد الحارث " في " عبد بْن الحارث ".
وعن عبد الرحمن قال: كان اسمي عبد عمرة، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن.
وعن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن أبيض، أعْيَن، أهْدَب الأشفار، أقنى، طويل النّابَيْن الأعليين، ربما أدمى نابُهُ شَفَتَه. له جُمَّةٌ أسفَلَ أُذُنَيْه، أعْنَق، ضخْم الكفين.
وقال ابن إسحاق: كان عبد الرحمن ساقط الثَّنِيَّتَيْن، أهْتَمَ أعْسَر، أعْرَج، كان قد أُصيب يوم أُحُدٍ فَهَتِم، وجُرِح عشرين جراحةً، بعضُها في رِجْله فعَرِج.
وعن يعقوب بْن عُتْبة قَالَ: كان طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جَنَأ، أبيض بحُمْرة، لَا يُغَيّر شَيْبَه.
وَقَالَ صالح بْن إبراهيم بْن عبد الرحمن، عَنْ أبيه قَالَ: كنّا نسير مع عثمان، فرأى أبي فَقَالَ عثمان: مَا يستطيع أحدٌ أن يعتدَّ على هذا الشيخ، فضلًا في الهجرتين جميعًا.
وعن أَنْس قَالَ: قدِم عبدُ الرحمن المدينة فآخى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سعد بْن الربيع الخَزْرَجيّ، فَقَالَ: إنّ لي زوجتين، فانظر أيُّهما شئتَ حتّى -[212]- أطلّقها لتتزوَّجها وأُشاطرك نصفَ مالي، فَقَالَ: بارَكَ الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلُّوني على السوق، فذهب ورجع وقد حصَّل شيئًا.
وقد روى أحمد في " مسنده " من حديث أَنْس، أن عبد الرحمن أثرى وكثُر ماله حتّى قدِمَتْ له مرَّةً سبع مائة راحلةٍ تحمل الْبُرَّ والدقيق، فلما قدِمَتْ سمع لها أهل المدينة رَجَّة، فبلغ ذلك عائشة، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " عبد الرحمن بْن عوف لَا يدخل الجنة إلَّا حَبْوًا "، فلمّا بلغه قَالَ: يا أُمَّة أُشْهِدُكِ أَنَّها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله.
قلت: كان تاجرًا سعيدًا فُتِح عليه في التجارة وتموّل، حتّى إنّه باع مرَّةً أرضًا بأربعين ألف دينار فتصدَّق بها، وحمل على خمس مائة فرسٍ في سبيل الله، ثمّ على خمس مائة راحلة.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاب مرَّةً فقدّموا عبد الرحمن يصلّي بالنّاس، فأتى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلّي بالنّاس، فأراد أن يتأخر، فأومأ إليه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اثبت مكانك، فصلى وصلى رسول الله صلى عليه وسلم خلْفَه، وهذه منْقَبَةٌ عظيمة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبيه قَالَ: رأيت الجنة، وأني دخلتُها حبْوًا، ورأيت أنّه لَا يدخلها إلَّا الفقراء.
وعن عبد الله بْن أبي أوْفَى قَالَ: شكا عبدُ الرحمن خالدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يا خالد لَا تُؤْذِ رجلًا من أهل بدْر، فلو أنفقْتَ مثل أُحُدٍ ذَهَبًا لم تُدْرِكْ عَمَلَه ". -[213]-
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِي ". قَالَ: فَأَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُنَّ بِحَدِيقَةٍ قُوِّمَتْ بِأَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ بَكْرٍ بِنْتَ الْمِسْوَرِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَقَسَّمَهَا فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، وَفِي الْمُهَاجِرِينَ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ، زَادَ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم: " لَنْ يَحْنُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلَّا الصَّالِحُونَ ".
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَزْوَاجِهِ: " إِنَّ الَّذِي يَحْنُو عليكن بَعْدِي لَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ، اللَّهُمَّ اسْقِ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ ".
وعن نيار الأسلميّ قَالَ: كان عبد الرحمن ممّن يُفْتي فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال يزيد بن هارون: حدثنا الْمُعَلَّى الْجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لأَصْحَابِ الشُّورَى: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَخْتَارَ لَكُمْ وَأَنْفَصِلُ منها؟ قال علي: أنا أول من رضيت، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّكَ أَمِينٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ".
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَكَى رُعَافًا، فَدَعَا حُمْرَانَ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَهْدَ مِنْ -[214]- بَعْدِي، فَكَتَبَ لَهُ، فَانْطَلَقَ حُمْرَانُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: لَكَ الْبُشْرَى، إِنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ لَكَ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَامَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مِنْ تَوْلِيَةِ عُثْمَانَ إِيَّايَ هَذَا الأَمْرَ فَأَمِتْنِي قَبْلَ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَعِشْ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
وعن سعد بْن الحسن قَالَ: كان عبد الرحمن بْن عوف لَا يُعْرَف من بين عبيده.
وعن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ لمن شهِدَ بدْرًا، فوُجِدُوا مائة، لكلّ رجلٍ أربع مائة دينار، وأوصى بألف فرسٍ في سبيل الله.
وَقَالَ إبراهيم بْن عبد الرَّحْمَن بْن عوف: سمعت عليًّا يَقُولُ يوم مات أبي: اذهب يا ابن عوفٍ فقد أدركْتَ صَفْوَها وسبقت رَنْقَها.
وَقَالَ محمد بْن سيرين: اقتسم نساءُ ابن عوف ثُمْنَهُنَّ فكان ثلاث مائة وعشرين ألفًا.
تُوُفيّ سنة اثنتين وثلاثين، وله خمسٌ وسبعون سنة، ودفن بالبقيع رضي الله عنه.