-ع: عبد الله بن مسعود بن غافل بْن حبيب، أَبُو عبد الرحمن الهُذَليّ، [المتوفى: 32 ه]
حليف بني زهرة، وأمه أم عبد هذيلة أيضًا.
كان من السابقين الأوَّلين، شهِد بدْرًا والمشاهد كلها، وكان له أصحاب سادة، منهم: علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة السلماني، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وزر بن حُبَيْش وأبو عمرو الشَّيْبانيّ، وأبو -[206]- الأحوص، وزيد بْن وهب، وخلق سواهم، وكان صاحب نَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا خلعها حملها أو شالها. وكان يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويخدمه ويلْزَمه. وتلقّن من في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سُورة.
قَالَ ابن سيرين: قَالَ عبد الله بْن مسعود: لو أعلم أحدًا أحدث بالعرضة الأخيرة منّي تناله الإبِلُ لَرَحَلْتُ إليه.
وَقَالَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عليّ، وسُئل عَنْ عبد الله، فَقَالَ: عَلِّم القرآن والسُّنَّة ثمّ انتهى.
وعن ابن مسعود، قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبد الرحمن قبل أن يُولَدَ لي.
وعن ابن المسيب قَالَ: رأيت ابن مسعود عظيم البطن أحْمش الساقين.
وَقَالَ قيس بْن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم.
وعن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُتْبة قَالَ: كان نحيفا قصيرا، شديد الأدمة وكان لا يخضب.
وعن غيره قَالَ: كان ابن مسعود لطيف القَدّ، وكان من أجود النّاس ثوبًا، أبيض، وأطيب النّاس ريحًا.
وَقَالَ ابن إسحاق: أسلم ابن مسعود بعد اثنتين وعشرين نفْسًا.
وَقَالَ أَبُو الأحْوَص: سمعت أبا مسعود البدْرِيّ وأبا موسى حين مات ابن مسعود، وأحدهما يَقُولُ لصاحبه: أَتُراه ترك بعده مثلَه؟ قَالَ: لئن قلتَ ذاك لقد كان يُؤْذن له إذا حُجِبْنا ويَشْهَد إذا غِبْنا.
وَقَالَ أَبُو موسى: مكثت حينًا وما أحسب ابن مسعود وأُمَّه إلَّا من أهل بيت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كثرة دخولهم وخروجهم عليه.
وَقَالَ القاسم بْن عبد الرحمن: كان عبد الله بْن مسعود يُلْبِس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نعليه ويمشي أمامه بالعصا، حتّى إذا أتى مجلسَه نزع نَعْلَيْه، فأخذهما عبد الله وأعطاه العصا، وكان يدخل الحُجْرةَ أمامه بالعصا.
وعن عُبَيْد الله بْن عبد الله، قَالَ: كان عبد الله صاحب سِواد رسول الله -[207]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني سرَّه -، وصاحب وِسادِه، يعني: فِراشه، وصاحب سِواكه ونَعْلَيه وطَهوره، وهذا يكون في السفر.
وعن عبيدة عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ فَبَشَّرَنِي بِالْجَنَّةِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ".
قَالَ ابن مسعود: ثُمَّ قعدت أدعو فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سل تُعْطَه "، فكان فيما قلت: اللَّهُمَّ إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أَحَدًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَأَمَّرْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَصَعَدَ شَجَرَةً فَنَظَرَ الصَّحَابَةُ إِلَى سَاقَيْ عَبْدِ اللَّهِ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا تَضْحَكُونَ؟ لَهُمَا فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ ". رَوَاهُ مُغْيرَةُ، عَنْ أُمِّ مُوسَى، عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ "، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لَكِنَّ لَفْظَهُ: " وَمَا حَدَّثَكُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ ". -[208]-
وَقَالَ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَضِيتُ لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ ". وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ.
وَقَالَ عَلْقَمَةُ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُشْبِهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَخْبِرْنَا بِرَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالدَّلِّ برسول الله صلى الله عليه سلم حَتَّى نَلْزَمَهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَلَا هَدْيًا وَلَا دَلًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُوَارِيَهُ جِدَارُ بَيْتِهِ مِنَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَلَقَدْ علم المحفوظون مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَةً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَر إلى أهل الكوفة: إنّني قد بعثت إليكم عمّار بْن ياسر أميرًا، وابن مسعود معلِّمًا ووزيرًا، وهما من النُّجَباء مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، فقد آثرتكُم بعبد الله على نفسي.
وقال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ".
وَقَالَ مسروق، عَنْ عبد الله قَالَ: مَا من آيةٍ إلَّا أعلم فيم أُنْزِلَت، ولو أعلم أحدًا أعلمُ بكتاب الله منّي تُبَلِّغُنِيه الإبل لأَتَيْتهُ. -[209]-
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنّ ابن مسعود كرِه لزيد نسْخَ المَصَاحف، وَقَالَ: يا معشر المُسْلِمين، أُعْزَلُ عَنْ نسخ كتاب المصاحف ويتولاها رجلٌ غيري، واللهِ لقد أسلمت وإنّه لفي صُلْبِ أبيه، يا أهل الكوفة، اكتُمُوا المصاحف التي عندكم وغُلُّوها.
قلت: قَالَ ذلك لما جعل عُثمان زيد بْن ثابت على كتابة المَصَاحف، وتطلَّب سائَر مَصاحِفِ الصحابة ليغسِلَها أو يُحَرِّقَها، فعل ذلك ليجمع الأُمَّةَ على مُصْحفٍ واحدٍ.
قَالَ أَبُو وائل: خطب ابن مسعود، وقال: غلوا مصاحفكم، كيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بْن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعًا وسبعين سورة، وإنّ زَيْدًا ليأتي مع الغِلْمان له ذُؤَآبتان.
وَقَالَ أَبُو وائل: إنّي لجالسٌ مع عُمَر، إذ جاء ابن مسعود، فكاد الجلوس يوارونه من قِصَرِه - يعني وهو قائم - فضحك عُمَر حين رآه، وجعل يكلّم عمرَ ويضاحِكَه وهو قائم عليه، ثُمَّ ولّى فأتبعه عُمَر بَصَرَه حتى توارى، فقال: كنيف ملئ عِلْمًا.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: مَجْلِسٌ كُنْتُ أُجَالِسُهُ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ ظُهَيْرٍ قَالَ: جَاءَ نَعْيُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ مسروق: انتهى عِلْم الصَّحابة إلى عليّ وابن مسعود.
وَقَالَ زيد بن وَهْب: رَأَيْت بعيني عَبْد الله أثرين أسودين من البكاء. -[210]-
وعن ابن مسعود قَالَ: حَبَّذا المكروهان الموت والفقر، وَايْمُ اللَّهِ ما هو إلَّا الْغِنَى والفقْر، وما أبالي بأيِّهما ابتُدِئْتُ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَيْفٍ قال: اتخذ ابن مسعود ضيعة برذان، وَمَاتَ عَنْ تِسْعِينَ أَلْفِ مِثْقَالٍ، سِوَى رَقِيقٍ وَعُرُوضٍ وَمَاشِيَةٍ.
وَقَالَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ ابن مسعود أوصى إلى الزُّبَيْر بْن العَوَّام.
وَقَالَ قيس بْن أبي حازم: دخل الزُّبَيْر على عثمان بعد وفاة ابن مسعود، فَقَالَ: أعطني عطاءَ عبدِ الله فعِيَالُ عبدِ الله أحقّ به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألفًا.
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: هُمَا زَانِيَانِ مَا اجْتَمَعَا، قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ أَبُوكَ؟ قَالَ: كَانَ قَارِئًا لِكِتَابِ اللَّهِ.
الأَعْمَشُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ هَذَا، يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مسعود.
الطيالسي: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: حَدَّثَنِي حَبَّة الْعُرَنِيُّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، أَنْتُمْ رَأْسَ الْعَرَبِ وَجُمْجُمَتُهَا، وَسَهْمِي الَّذِي أَرْمِي بِهِ، قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ وَخِرْتُ لَكُمْ وَآثَرْتُكُم بِهِ عَلَى نَفْسِي.
تُوُفيّ عبد الله بالمدينة، وكان قدِمَها فمرِض أيّامًا ودُفِن بالبَقِيع، وله ثلاثٌ وستّون سنة، في أواخر السنة.