البصرة-فما يظهر-أكبر وكر حينئذ للزنادقة والملاحدة، ففيها نبت وعاش بشار وصالح بن عبد القدوس، ونرى محمد بن سليمان العباسى واليها للمهدى يقتل من ملاحدتها زنديقين كبيرين هما عبد الكريم (?) بن أبى العوجاء وحماد (?) عجرد «وكان عبد الكريم مانويّا يؤمن بالتناسخ ويتخذ من سيرة مانى وسيلة لدعوته إلى الزندقة وتشكيك الناس فى عقائدهم» (?) ولما قدم للقتل قال: «لئن قتلتمونى لقد وضعت فى أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة مصنوعة» (?). وفى ذلك ما يصور جانبا من دسّ هؤلاء الزنادقة على الإسلام ومحاولة تشويه هديه الكريم.

وقد تنبّه لهم رواة الحديث النبوى فأسقطوا ما وضعوه وبينوا كذبه واختلاقه. ومرّ بنا آنفا أن حماد عجرد كان ممن يؤلفون الكتب فى تأييد الإلحاد والزندقة استغواء للعامة وإفسادا لها وقد سلك معه المسعودى فى هذا الاتجاه يحيى بن زياد الحارثى ومطيع بن إياس، ولا نجد ذكرا لقتلهما ولا لحبسهما على الزندقة، وربما لم تثبت عليهما ثبوتا قاطعا.

واشتد الهادى مثل أبيه فى طلب الزنادقة حين ولى الخلافة لسنة 169 وقتل منهم جماعة (?) من بينهم أحد أبناء عمه داود بن على ويعقوب بن الفضل من سلالة الحارث بن عبد المطلب. وسرعان ما خلفه هرون الرشيد لسنة 170 فسار فيهم نفس السيرة، وممن تعقبهم يزيد (?) بن الفيض، ويونس بن أبى فروة وكان قد ألف كتابا فى مثالب العرب وعيوب الإسلام-بزعمه-وصار به إلى ملك الروم فأغدق عليه مالا كثيرا (?). وطلب الرشيد أيضا على بن الخليل الشاعر لما ذاع من زندقته، غير أنه تبرّأ منها فأطلقه (?).

وكان المأمون إذا سمع بزنديق أو زنادقة أمر بحملهم إليه وأحضرهم مجالسه حيث المتكلمون ودفعهم جميعا إلى المناظرة، لعلهم يقنعونهم ويردونهم إلى الإسلام ومحجته المستقيمة، وكان يناظرهم هو نفسه أحيانا (?)، فإذا لم يكفوا عن غوايتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015