تأتيها من المحيط الهندى وأيضا ما يحمل فيه من عروض أرمينية والجزيرة والموصل وما وراءه، وكيف أنها محجوزة وراء دجلة وأمام الفرات وكأنهما سدان منيعان أمام الأعداء، ثم هى وسط فى سواد العراق وبين مدنه.

حينئذ اعتزم المنصور اتخاذ تلك القرية المسماة ببغداد عاصمة الدولة، وقد اختلف الباحثون فى أصل اسمها، فقال فريق إنه اسم فارسى وقال آخرون إنه اسم آرامى (?)، وسماها المنصور «دار السلام» أخذا من قوله جلّ وعزّ، (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) وبهذا الاسم كانت تضرب النقود العباسية. وقد كانت منطقتها موئلا لحضارات مختلفة إذ كانت تلتقى بها قبل الإسلام الحضارات: الكلدانية والفارسية والآرامية، وكانت تنبث حواليها أديرة كثيرة.

وعنى المنصور عناية بالغة ببناء حاضرته، بل قلعته الحصينة، فأحضر لها المهندسين والفعلة والصناع من أطراف الأرض، ومثّل لهم صفتها التى فى نفسه، وهى أن تكون مدوّرة على شاكلة المدن الفارسية والآشورية القديمة، ووضع أول لبنة فيها بيده سنة 145 قائلا: «بسم الله، والحمد لله، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» ويقال إنه جلب إليها كثيرا من مواد البناء التى كانت لا تزال قائمة فى المدائن حاضرة الساسانيين. وظل البناء قائما بها حتى سنة 149.

ويمكن إجمال وصفها فى أنه كان يستدير حولها خندق (?) كبير وسوران شاهقان عريضا الجدران وراءهما سور داخلى مبالغة فى تحصينها. وفتح فى كل سور أربعة أبواب متساوية الأبعاد: باب الشام فى الشمال الغربى ويقابله باب البصرة فى الجنوب الشرقى على الصراة التى تأخذ من الفرات وتمضى حتى تتصل بدجلة، وباب خراسان فى الشمال الشرقى بحذاء دجلة ويقابله باب الكوفة فى الجنوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015