الطريق السوىّ فى رأيهم ويقتلون راضين. وأهم ثورات الشيعة المسلحة ثورة المختار الثقفى بالكوفة، وقد تكفّل مصعب بن الزبير حين كان واليا لأخيه على العراق بالقضاء عليها قضاء مبرما. ولم تقم للشيعة بعده قائمة حتى كانت ثورة زيد ابن على زين العابدين فى أول العقد الثالث من القرن الثانى، وقد انتهت باخفاق ذريع، ولم يلبث ابنه يحيى أن قتل على أثره، كما قتل بعده بقليل عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب.
وكانت تنضم إلى كل هذه الثورات فئات من الموالى الذين اضطهدهم بنو أمية، وحرموهم المساواة بالعرب فى الحقوق، مخالفين نظرية الإسلام وما يدعو إليه من التسوية المطلقة بين العرب وغير العرب فى الضرائب وغير الضرائب وقد احتملوا فى ذلك ألوانا من البؤس الذى يطاق والذى لا يطاق. فكان طبيعيّا أن تكثر مطالبتهم بالعدل الاجتماعى وأن يطمحوا إلى حكّام جدد يقرّون فيهم مبادئ الإسلام الذى يوجب المساواة بين أفراد الأمة فى جميع الواجبات المالية وغير المالية والذى ينكر الظلم أشد الإنكار، كما ينكر أن تستغل طبقة من الأمة بعض الطبقات فيها لمآربها العاجلة. وقد وضعت كثرتهم آمالها فى أبناء على وأسرته الهاشمية لما تميز به حكمه من مساواة تامة بين العرب والموالى بحيث أصبحوا شيعتهم، غير أنهم فقدوا فى أسرة على وأبنائه وأحفاده الشخص الحصيف الجرئ الذى يستطيع تنظيم ثورتهم بحيث يكتب لها النجاح.
وعرف ذلك فيهم أبناء عمومتهم العباسيون، ولكن كيف يلون هذه الزعامة، والشيعة من حولهم ينضوون تحت ألوية أبناء علىّ وحدهم دون من سواهم من الهاشميين؟ لقد أخذوا يفكرون فى ذلك، ولم يلبثوا أن نفذوا إلى أمنيتهم المبتغاة عن طريق فرقة الكيسانية الشيعية التى تكونت حول ابن الحنفية، فقد استوطن ابنه أبو هاشم -الذى ورث عنه زعامة هذه الفرقة وإمامتها-بلدة الحميمة ببلقاء الشام ونزلها معه على بن عبد الله بن العباس وأسرته، وسرعان ما توثقت الصلة بين ابنه محمد وبين أبى هاشم، ورأى فيه أبو هاشم خير خلف له على جماعته، فلما حضرته الوفاة سنة ثمان وتسعين للهجرة أوصى له وصية صريحة بالإمامة من بعده. وبذلك وجد محمد ركيزة يعتمد عليها فى إثبات حقه فى الخلافة، وكان حصيف الرأى بعيد