فى اتجاه غلب على حياتها وساد، فمن ذلك أصحاب الغزل الصريح من أمثال ابن أبى ربيعة والأحوص والعرجى، وأصحاب الغزل العفيف من أمثال قيس ابن ذريح وجميل بثينة، وأصحاب الزهد من أمثال أبى الأسود الدّؤلى وسابق البربرى، وأصحاب اللهو والمجون من أمثال الوليد بن يزيد وأبى الهندى، وأصحاب شعر الطبيعة من أمثال ذى الرّمّة. ومن ذلك الرجّاز، وقد نهضوا بالأرجوزة من وجوه، إذ جعلوها تتسع لكل أغراض القصيدة، وأضافوا لذلك موضوعا جديدا هو الطّرديات، كما أضاف نفر منهم إلى غاياتها الوجدانية غاية تعليمية جديدة إذ تحرّوا أن يودعوا أراجيزهم كل ما استطاعوا من شواذ اللغة وشواردها الآبدة.

وازدهرت الخطابة فى العصر الأموى ازدهارا، لعل العرب لم يعرفوه فى أى عصر من عصورهم القديمة، فقد كانوا أصحاب مواهب بيانية، وعملت بواعث كثيرة على أن تتوهج هذه المواهب فى الخطابة حينئذ، بسبب ما نشأ من خصومات سياسية عنيفة، فكان هناك خطباء الخوارج وخطباء الشيعة وخطباء الزبيريين والثوار المختلفين وخطباء الأمويين، وكلّ منهم يحاول استمالة القلوب إليه بالتفنن فى بيانه، وخير من يمثلهم زياد بن أبيه. ونمت بجانب هذه الخطابة خطابة المحافل بين أيدى الخلفاء والولاة، إذ أخذ أصحابها يعنون بتحبير كلامهم، وخير من يمثّلهم الأحنف بن قيس. واحتدمت خطابة الوعظ والقصص الدينى احتداما، وما فتئ أصحابها يطلبون كل وسيلة بيانية كى يؤثروا فى الناس حتى انتظم لهم أسلوب بديع ثبّتوه تثبيتا قويّا، وهو أسلوب نهض على حلى من الازدواج والخيالات والمقابلات ودقائق المعانى. وقد مضوا يعلّمون الشباب فى البصرة والكوفة كيف يبرعون فى الخطابة والمناظرة، وبذلك أعدّوا لنشأة علم البلاغة العربية، وخير من يمثّلهم الحسن البصرى.

ونمى التدوين فى هذا العصر نموّا واسعا، إذ دوّنوا معارفهم التى تتصل بالجاهلية وأخبارها وأنسابها وأشعارها كما دونوا معارفهم التى تتصل بالإسلام وما يرتبط به من تفسير الذكر الحكيم والحديث النبوى والفقه والمغازى وقصص الأنبياء، ومضوا يدونون أخبار الأمم الماضية وأخبار الدولة الإسلامية وما صادفها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015