ويذكى جذوة شجاعتهم وبسالتهم، ومن خير ما يمثّل ذلك خطبة قتيبة بن مسلم الباهلى وقد تهيأ لغزو طخارستان سنة 86 للهجرة وفيها يقول (?):
«وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم النصر بحديث صادق وكتاب ناطق، فقال: {(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)} ووعد المجاهدين فى سبيله أحسن الثواب وأعظم الذّخر عنده، فقال:
{(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)} وأخبر عمن قتل فى سبيله أنه حىّ مرزوق فقال: {(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)} فتنجّزوا موعود ربكم».
واشتهر فى خراسان بعد قتيبة غير قائد بالخطابة مثل أسد القسرى ونصر ابن سيّار، ويلقانا فى الغرب طارق بن زياد فاتح الأندلس، وخطبته فى جنده حين دخلها مشهورة (?)، ولعل من الخير أن نقف قليلا عند زياد بن أبيه حتى نتمثّل تمثلا واضحا ما أصاب الخطابة السياسية فى هذا العصر من نهوض ورقى.
زياد (?) بن أبيه
ولد فى عام الهجرة أو قبله بقليل لسميّة جارية فارسية كانت للحارث بن كلدة الثقفى المشهور بطبّه، ويقال إنه زوجها ثقفيّا يسمى عبيدا، ومن ثم كان يسمّى فى بعض الروايات زياد بن عبيد. ويذهب بعض الرواة إلى أنه إنما ولد على فراش الحارث وأن عبيدا كان عبدا روميّا، ولم يكن ثقفيّا،