ولم تكن خصلة عندهم تفوق خصلة الكرم، وقد بعثتها فيهم حياة الصحراء القاسية وما فيها من إجداب وإمحال فكان الغنى بينهم يفضل على الفقير، وكثيرا ما كان يذبح إبله فى سنين القحط، يطعمها عشيرته، كما يذبحها قرير العين لضيفانه الذين ينزلون به أو تدفعهم الصحراء إليه. ومن سننهم أنهم كانوا يوقدون النار ليلا على الكشبان والجبال، ليهتدى إليهم التائهون والضالون فى الفيافى، فإذا وفدوا عليهم أمّنوهم حتى لو كانوا من عدوهم. ويدور فى شعرهم الفخر بهذه النيران وأن كلابهم لا تنبح ضيوفهم لما تعودت من كثرة الغادين والرائحين، يقول عوف بن الأحوص (?):

ومستنبح يخشى القواء ودونه … من الليل بابا ظلمة وستورها (?)

رفعت له نارى فلما اهتدى بها … زجرت كلابى أن يهرّ عقورها (?)

فلا تسألينى واسألى عن خليقتى … إذا ردّ عافى القدر من يستعيرها (?)

ترى أن قدرى لا تزال كأنها … لذى الفروة المقرور أمّ يزورها (?)

مبرّزة لا يجعل السّتر دونها … إذا أخمد النيران لاح بشيرها (?)

إذا الشّول راحت ثم لم تفد لحمها … بألبانها ذاق السّنان عقيرها (?)

واشتهر عندهم بالكرم الفياض كثيرون (?)، مثل حاتم الطائى الذى ضربت الأمثال بكرمه، وهو يصوره فى كثير من شعره كقوله (?):

إذا ما بخيل الناس هرّت كلابه … وشقّ على الضيف الغريب عقورها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015