فى هذه الأديرة والمدارس يعتمدون غالبا على مصادر سريانية ويونانية، وممن اشتهر منهم فى هذا العصر «سويرس سيبوخت» أسقف دير قنسرين وتلميذه يعقوب الرهاوى وجورجيس أسقف حوران، وكانوا جميعا يعنون بالمنطق الأرسططاليسى والفلسفة اليونانية (?).
وطبيعى أن يتصل العرب بهذه الفلسفة وذلك المنطق، إذ كانوا ناشرين لدينهم، وكانوا يجادلون النصارى وغيرهم من أصحاب الملل، وقد اشتهر يوحنا الدمشقى الذى كان يشرف على الشئون المالية لغير خليفة أموى بأنهم كانوا يكثرون من جداله، وله مصنفات مختلفة، منها محاورة مع بعض المسلمين فى ألوهية المسيح ونظرية حرية الإرادة (?). وقد مضى العرب يطلبون الوقوف على ما عند القوم من وجوه الاستدلال المنطقى، حتى يستعينوا على دحض الشّبه، ويدعموا جدالهم بالحجج القاطعة. وينبغى أن نلاحظ أن كثيرين من حملة هذه الثقافة الهيلينة المتشعبة أسلموا، وتحولوا يدافعون عن الإسلام ويردون على خصومه.
وبذلك لم تنتظر طويلا هذه الثقافة وما يتصل بها من المنطق حتى تترجم، فقد كان أهلها يعرّبون تعريبا تامّا، ومن ثم انتقلوا بها إلى العربية. وبين أيدينا أخبار تدل على أن العرب اهتموا بالترجمة منذ هذا العصر، فمن ذلك ما يروى عن خالد بن يزيد بن معاوية من أنه استعان براهب رومى يسمى ماريانس ليعلمه الكيمياء (?)، كما استعان بأصطفن القديم، ويقول الجاحظ: «هو أول من ترجمت له كتب النجوم والطب والكيمياء (?)» ويذكر ابن النديم بعض كتبه فى ذلك (?).
وفى أخبار عمر بن عبد العزيز أنه أمر ماسرجويه البصرى أن يترجم من السريانية إلى العربية كتابا فى الطب للقس أهرن بن أعين (?)، وقد ذكر الحكم بن