2 -
من يقرأ كتاب الطبقات لود ضيف الله يعرف أن الشعراء كانوا يكثرون من مديح ملوك الفونج منذ قامت دولتهم فى سنار، غير أن مدائحهم لم تكن من الجودة بحيث نستطيع عرض نماذج كثيرة منها، ونجد الشيخ الصوفى فرح ودتكتوك المتوفى سنة 1017 هـ/1609 م بعد قيام دولتهم بنحو قرن ينعى على الشعراء فى عهده وقوفهم المتكرر على أبواب ملوك الفونج أو سلاطينهم يستمنحونهم الهبات والعطايا قائلا (?):
يا واقفا عند أبواب السلاطين … ارفق بنفسك من همّ وتحزين
إن كنت تطلب عزّا لافناء له … فلا تقف عند أبواب السلاطين
خلّ الملوك بدنياهم وما جمعوا … وقم بدينك من فرض ومسنون
استغن بالله عن دنيا الملوك كما اس … تغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
والشيخ فرح ود تكتوك ينهى الشعراء عن الوقوف بأبواب السلاطين انتظارا لأعطياتهم ويقول لهم: رفقا بأنفسكم وما تحمّلونها من هم الانتظار لتلك الأعطيات، ومن يطلب العز الخالد لا يقف بتلك الأبواب إنما يقف بباب ربه، تاركا للملوك دنياهم وما جمعوا مع أداء فروض دينه ونوافله، مستغنيا بالله وما يرزقه عن دنيا الملوك كما استغنوا هم بدنياهم ومتاعها عن الدين. وقد أخذ شعر المديح يكثر فى السودان منذ القرن التاسع عشر الميلادى، وكان لثورة المهدى الحظ الأوفر فيه، فقد حقق للسودان استقلالا وانتصارات متعددة وكأنما أعاد إليها الروح التى كانت فقدتها وجعلها تشعر بشخصيتها فى عمق، مما جعل كثيرين من الشعراء يتغنون بمديحه وانتصارات جيوشه باثّين فى ذلك غير قليل من الحماسة الملتهبة مشيرين إلى دعوته الدينية وأنه يأخذ فيها بهدى القرآن والسنة النبوية من مثل قول عبد الغنى السلاوى قاضى دنقلة (?):
ما هديه غير الكتاب وسنّة … والتاركون لذاك هم كفراء
أجلى الصّدا وأزاح أنواع الرّدى … وسمت به فوق السّما علياء
أمست به آثار طه ونورها … يعلو ولا يعلو عليه سناء
فالمجد فيه مؤثّل والفضل من … هـ مؤمّل والناس فيه سواء