الغنوى بنفس المعنى إذ يقول (?):

لا يمنع الناس منّى ما أردت ولا … أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا

وربما استخدمت الكلمة فى العصر الجاهلى بهذا المعنى الخلقى، غير أنه لم تصلنا نصوص تؤيد هذا الظن. وذهب «نالينو» إلى أنها استخدمت فى الجاهلية بمعنى السنّة وسيرة الآباء مفترضا أنها مقلوب دأب، فقد جمع العرب دأبا على آداب كما جمعوا بئرا على آبار ورأيا على آراء، ثم عادوا فتوهموا أن آدابا جمع أدب، فدارت فى لسانهم كما دارت كلمة دأب بمعنى السنة والسيرة. ودلوا بها على محاسن الأخلاق والشّيم (?). وهو فرض بعيد، وأقرب منه أن تكون الكلمة انتقلت من معنى حسى وهو الدعوة إلى الطعام إلى معنى ذهنى وهو الدعوة إلى المحامد والمكارم.

شأنها فى ذلك شأن بقية الكلمات المعنوية التى تستخدم أولا فى معنى حسى حقيقى، ثم تخرج منه إلى معنى ذهنى مجازى.

ولا نمضى فى عصر بنى أمية حتى نجد الكلمة تدور فى المعنى الخلقى التهذيبى.

وتضيف إليه معنى ثانيا جديدا، وهو معنى تعليمى فقد وجدت طائفة من المعلمين تسمى بالمؤدّبين، كانوا يعلمون أولاد الخلفاء ما تطمح إليه نفوس آبائهم فيهم من معرفة الثقافة العربية، فكانوا يلقّنونهم الشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم فى الجاهلية والإسلام. وأتاح هذا الاستخدام الجديد لكلمة الأدب أن تصبح مقابلة لكلمة العلم الذى كان يطلق حينئذ على الشريعة الإسلامية وما يتصل بها من دراسة الفقه والحديث النبوى وتفسير القرآن الكريم.

وإذا انتقلنا إلى العصر العباسى وجدنا المعنيين التهذيبى والتعليمى يتقابلان فى استخدام الكلمة، فقد سمى ابن المقفع رسالتين له تتضمنان ضروبا من الحكم والنصائح الخلقية والسياسية باسم «الأدب الصغير» و «الأدب الكبير». وبنفس هذا المعنى سمى أبو تمام المتوفى سنة 232 هـ‍/846 م الباب الثالث من ديوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015