2 -
اهتمت الجزائر-كما اهتمت البلدان العربية المختلفة-بمدارسة علوم الأوائل من فلسفة وطب وغير طب، وانصبت عناية علمائها خاصة على ما سموه علوم التعاليم، يقصدون بها علوم الرياضيات وما يتصل بها من حساب وجبر وهندسة وفلك. ولم يحدث بين الفقهاء وهذه العلوم وما يتصل بها من الفلسفة والطب أى تخاصم أو تقاطع طوال هذا العصر، بل إن من يرجع إلى تراجمهم سيجد كثيرين من كبارهم ينعتون بأنهم سادوا أهل عصرهم فى العلوم العقلية أو يقال إن فلانا بذّ فقهاء عصره فى علوم التعاليم أو كان مستبحرا فى فنونها إلى غير ذلك من نعوت تدل على أخذهم منها بحظ وافر، وكثيرا ما يجمع الفقيه المشهور بين الفقه والطب.
وأول رياضى فلكى نلتقى به فى الجزائر على بن أبى الرجال التاهرتى الذى هاجر من بلدته تاهرت إلى القيروان وأصبح معلما ومربيا لحاكمها الصنهاجى المعز بن باديس ثم وزيرا له ورئيسا لديوان الإنشاء حتى وفاته سنة 426 هـ/1034 م وباسمه ألف ابن رشيق بعض مؤلفاته الأدبية مثل كتاب «العمدة فى صناعة الشعر ونقده». وهو أول مغربى تعمق علم الفلك والتنجيم وألف فيه كتابه: البارع فى علم الفلك الذى ترجمه قسطنطين الإفريقى إلى اللاتينية فى القرن الحادى عشر الميلادى وتناقلته اللغات الأوربية المختلفة وانتفع به العلماء الغربيون الفلكيون أيما نفع. وظل الجزائريون يعنون بعلم الفلك وغيره من العلوم الرياضية مثل محمد بن يحيى النجار التلمسانى المتوفى سنة 749 هـ/1348 م وكان إماما فى النجوم وأحكامها، وكان يعاصره محمد بن إبراهيم الآبلى المتوفى سنة 757 هـ/1356 م الذى فاق أهل زمانه فى جميع العلوم العقلية، وهو شيخ ابن خلدون وأحد معلميه. وكتب عالم قسنطينة المشهور ابن قنقذ المتوفى سنة 809 هـ/1408 م شرحا على أرجوزة فلكية لابن أبى الرجال ضمنه جداول فلكية. ومن أهم الفلكيين فى القرن التاسع بعده الحباك محمد بن أحمد المتوفى سنة 867 هـ/1463 م وله منظومة فى الأسطرلاب الفلكى عدّت-منذ زمنه-ألفيّة لعلم الأسطرلاب كألفية ابن مالك فى النحو. وقد شرحت مرارا وممن شرحها الفقيه الكبير محمد السنوسى المتوفى سنة 895 هـ/1490 م وظلت تتدارس حتى نهاية هذا العصر. ومن الأعمال الفلكية بعده