يتولى الخلافة أكفأ المسلمين ولو كان عبدا جشيا، وسارع إليهم دعاة مذهبى الإباضية والصفرية، وكان المذهب الأول معتدلا وقريبا من مذاهب أهل السنة، وتبع دعاته جبل نفوسة فى طرابلس واستطاعوا أن يكونوا لهم دولة فى تاهرت، وبذلك كثر أتباع هذه الفرقة الخارجية وسنخصها فيما يلى بحديث مستقل، أما فرقة الصفرية فكانت فرقة متشددة غاية التشدد وكانت تستبيح دماء المسلمين، وتأسست فى سجلماسة والمغرب الأقصى، فلم يتبعها جزائريون إلا ما كان يحدث أحيانا من مرور جيوشها بأراضى الجزائر فى ذهابها لحرب ولاة المغرب أو لحرب الدولة العبيدية، فكان ينضم إليها بعض الجزائريين. وبقاع محدودة فى الجزائر هى التى شاعت فيها الدعوة الإباضية، ومعنى ذلك أن الجمهور فى الجزائر ظل سنيا وظلت الجزائر دارا كبيرة للمذاهب السنية.

(ب) المالكية (?) والحنفية

ظل شرقى الجزائر طويلا جزءا لا يتجزأ من ولاية القيروان، وكانت قد سبقت-كما مرّ فى القسم الخاص بالإقليم التونسى-إلى الاعتماد فى الفقه على مذهب مالك، وفتحت أبوابها للمذهب الحنفى وخاصة فى عهد الأغالبة الذين تابعوا بغداد فى اتخاذ القضاة غالبا من بين فقهاء الأحناف حتى نهاية القرن الثالث الهجرى، إذ خيمّت-حينئذ-العقيدة الشيعية على الإقليمين الجزائرى والتونسى، وكادت تتوقف فيهما دراسة الفقه السنى المالكى والحنفى حتى إذا فارقوا المهدية إلى القاهرة فى أواخر العقد السادس من القرن الرابع عادت إلى الفقهاء السنيين حريتهم، وأخذوا يعنون بدراسة الفقه المالكى، وتولى المعز بن باديس شئون القيروان وشرقى الجزائر سنة 406 واشتد فى عهده تذمر أهل القيروان من ذكر الخطباء على المنابر أسماء الخلفاء العبيديين والدعاء لهم فى خطب الجمعة، وبلغ بهم الأمر أن قطعوا صلاة الجمعة احتجاجا على الدعوة والدعاء لهم فيها، ويقول ابن عذارى إن بعضهم كان إذا بلغ إلى المسجد قال سرا: اللهم اشهد، اللهم اشهد، وانصرف، فصلّى الظهر. وانتهى الحال إلى تعطيل الجمعة فى القيروان زمنا، وأخذت تقوم مشادات عنيفة بين أنصار السنة وأنصار الدعوة العبيدية الشيعية منذ سنة 407 هـ‍/1016 م وفى نفس هذه السنة قتلت العامة من أنصار العبيديين خلقا كثيرا رجالا ونساء ونهبوا دور قوم منهم وأموالهم. ومن حين إلى حين كانت تثور بهم العامة فى القيروان وأيضا فى المهدية عاصمة العبيديين ومدينتهم المنصورية حتى إذا كانت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015