فى نفس السنة من عمه حماد أنه قضى على الثائرين من أعمامه عليه بقتله ماكسن وأولاده ورحيل زاوى بن زيرى وإخوته إلى الأندلس، وكان لهم فى الفتنة التى نشبت بقرطبة وقضت على الخلافة الأموية دور فى غاية السوء. وفى نفس السنة توفى زيرى بن عطية صاحب فاس والمغرب الأقصى وتنفست صنهاجة وحماد الصعداء، وعادت زناتة فى سنة 392 إلى مهاجمة صنهاجة فى أشير ولكن بطلها زيرى كان قد توفى فهزمها حماد هزيمة ساحقة.
كان حماد-كما يقول لسان الدين بن الخطيب-نسيج وحده وفريد دهره شجاعا حصيفا، قرأ الفقه بالقيروان ونظر فى كتب «الجدال» وفكر جادّا فى الاستقلال عن ابن أخيه: باديس وتكوين دولة له ولأبنائه فى الجزائر، وكان أول ما فكر فيه بناء قلعة تكون عاصمة للدولة، ولم يلبث أن بنى فى سنة 398 قلعة بنى حماد على منحدر وعر فوق سفوح جبال كيانة على الحدود الشمالية لسهول الحضنة على بعد 26 كيلو مترا من المسيلة (المحمدية) وأحالها سريعا إلى مدينة تكتظ بالأحياء والفنادق والمساجد تتوسطها قصبة أو بعبارة أخرى حصن منيع، ولا تزال خرائبها وأطلالها قائمة إلى اليوم. وصمّم حماد على إعلان استقلاله. وما توافى سنة 405 هـ/1014 م حتى يعلن استقلاله عن باديس فى القيروان وعن الدولة العبيدية وعقيدتها الشيعية المتطرفة ويدعو للعباسيين على المنابر معتنقا لمذهب أهل السنة. وصمم باديس على حربه، وأعد جيشا ضخما لمنازلته سنة 406 واتجه به إلى القلعة وهزمه بجوارها، وفر حماد إلى القلعة تاركا خيامه ومضاربه. وتوفّى باديس فى نفس السنة وخلفه ابنه المعز فى الثامنة من عمره، ودبّر له شئون الحكم أعمامه ورجال دولته، وانتهز حماد الفرصة واستولى على مدينتى المسيلة وأشير عاصمة صنهاجة وحاصر باغاية، فزحف إليه جيش للمعز سنة 408 للهجرة وهزمه فى معركة عنيفة، وفرّ على وجهه إلى القلعة محتميا بها، ولم يجد بدا من طلب الصلح، وتمّ، وبمقتضاه يستقل حماد وأبناؤه بأشير والمسيلة وطبنة والقلعة وتاهرت وبلاد الزاب وكل ما يفتحونه فى المغرب الأقصى. وانقسمت دولة الصنهاجيين بذلك إلى دولتين: دولة آل المنصور بن بلكين فى القيروان بإفريقية التونسية، ودولة آل حماد بن بلكين بالقلعة فى الجزائر.
وتعدّ دولة حماد وأبنائه فى القلعة أول دولة جزائرية فى العصور الإسلامية بأدق معنى لهذه الكلمة، وحقا سبقتها الدولة الرستمية فى تاهرت، كما مر بنا، ولكن مؤسسها كان فارسى الأصل، وحكمها هو وأبناؤه من بعده. وكانت اللغة البربرية تشارك اللغة العربية فى أيامهم