وعلى ثغور أقحوانها يرشفه، وظل يقطف من زهر خواطر هذا الكاتب وأفكاره العبقة، مسرّحا الطرف فيما يفوت الوصف. ويقول الحصرى من فصل مقذع فى الهجاء:

«هو كليل الخاطر سقيم النّفس، صدئ القريحة عديم الحس، ذو طبع جاس (?)، وفهم قاس. . قد تعوّد لىّ الألسن بالسّباب، وغمز الأعين على الصّحاب، واستعمل الملق والكذاب، فهو بين جاهل متغافل، قد حشى قلبه رينا، وملئ لسانه مينا (?)، وبين من سمائم نمائمه تلذع، وعقارب مكايده تلسع. . قد أسكرته خمرة الكبر، فخيّل إليه أن كسرى حامل غاشيته، وأن قارون وكيل نفقته، وبلقيس إحدى داياته».

وذمّ هذا الأديب المتعالى الدّعىّ شديد الإيلام، إذ لم يترك فيه الحصرى شيئا من نفس أو حسّ أو طبع أو ذهن أو خلق إلا وجرّحه، وكأنما يريد أن يمزقه تمزيقا، ووصفه بالكبر والتعالى حتى ليخال أن كسرى ملك الفرس من حشمه الذين يحملون من ورائه غاشيته وأن قارون صاحب الكنوز المشهور وكيل على نفقته، وأن بلقيس ملكة اليمن من حواضنه. ومضى يذكر له أنه يخال شعراء الجاهلية الكبار امرأ القيس والنابغة وزهيرا ليسوا شيئا مذكورا بجانبه.

والرسالة طويلة ونظن طنا أن ابن زيدون استضاء بها فى رسالته الهزلية. ولعل فيما قدمت من هذه الفصول ما يشهد له بأنه كان كاتبا مبدعا إبداعا رائعا لا بما كان يزين به كتاباته من محسنات البديع فحسب، بل أيضا بما كان ينتخب من الألفاظ مسوّيا منها دررا متلاحقة.

ابن (?) خلدون

هو ولى الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمى التونسى، ولد بتونس سنة 732 هـ‍/1332 م حتى إذا أيفع قرأ القرآن العظيم على أبى عبد الله بن برّال، وبعد أن استظهره قرأه عليه بالقراءات السبع المشهورة وبقراءة يعقوب أحد العشرة، وعرض عليه الشاطبيتين فى القراءات وكتاب التقصّى لأحاديث الموطّأ لابن عبد البر وكتاب التسهيل فى النحو لابن مالك ومختصر ابن الحاجب فى الفقه، وفى خلال ذلك تعلّم صناعة العربية على والده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015