الكلم، ما يقال لقائله: سلم، فاسمعوا الآن لحديث حسن، تخيرته فى سالف الزمن: كنت ممن حبّب إليه معاناة الأسفار، وخفّف عنه مفارقة الأوكار، ورأى أن من العجز تفضيل داره على دار، وأن من الأسر اتخاذ خليلة أو جار، وأن يقعد عن كسب يحويه ليوم تظهر فيه مساويه، فشددت على وسطى أطمارى (?)، وشمّرت لقطع المفاوز بإزارى» ويقول إنه رأى من البلاد ألوفا، وخالط من أهلها صنوفا، حتى ألقى عصاه بتونس ويسمى فتاة فيها أعجب بها «تونس» ويجرى على لسانها بعض أحوالها ويستطرد إلى مديح حاكمها على باى الثانى ويصفها لعهده على لسان فتاته، مشيدا بها وبه قائلا إنها:
«محط الرحال، ومطمح الآمال، تجارتها نافقة، مبانيها رائقة، وسلعها ثمينة، ومياهها التى عمّت بها معينة، ومساجدها معمورة، وبركاتها منشورة، ومرتّباتها لمدرسيها جارية. . وأما خراج بلاده، فقد زاد على معتاده، لكثرة العمارة، بحسن سياسة الإمارة».
وتطلب إليه الفتاة أن ينشئ قصيدة فى مديح الأمير على باى الثانى لهدمه حانات العاصمة، وينظم فيه قصيدة. وواضح أن هذه المقامة مثل أختيها أشبه برسالة منها بمقامة، ونلاحظ أن لغته فى مقاماته أخف وأعذب من لغة على الغراب فى مقاماته. ومثل مقاماتهما مقامة لحمودة بن عبد العزيز المتوفى سنة 1202 هـ/1788 م. ولعل فيما قدمته ما يدل على أن فن المقامة لم يزدهر لا فى تونس ولا فى القيروان. بينما ازدهرت فنون النثر الأخرى وخاصة الرسائل الديوانية والشخصية، وحرى بنا أن نترجم لأشهر الكتاب ممن سميناهم، وهم أبو اليسر الشيبانى وإبراهيم الحصرى وابن خلدون.
أبو اليسر (?) الشيبانى
هو إبراهيم بن محمد الشيبانى ولد سنة 223 هـ/837 م ببغداد وبها المنشأ والمربى واختلف إلى حلقات شيوخها من المحدّثين والفقهاء واللغويين أمثال المبرد والأدباء أمثال الجاحظ وابن قتيبة، وبدا فيه ميل مبكر إلى الأدب جعله يلقى كبار الشعراء بها من أمثال البحترى وابن الرومى