ودائما تلقانا فى الذكر الحكيم دعوة المسلمين إلى الخير والارتفاع عن الدنايا والنقائص {(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).}
وبهذه القيم الروحية جميعا يقوم الإسلام، فهو ليس عقيدة سماوية وفروضا دينية فحسب، بل هو أيضا سلوك خلقى قويم، إذ يدعو إلى طهارة النفس ونبذ كل الفواحش والرذائل، ومراقبة الإنسان لربه فى كل ما يأتى من قول أو فعل، فإنه معروض عليه يوم القيامة، يوم يجزى كلّ إنسان بما قدّمت يداه. وقد مضى الصحابة يعبدون الله حق عبادته مستشعرين ضربا من القلق على مصيرهم، بعث فيهم الضمير الحى الذى يستشعر صاحبه الخوف من ربه فى سره وعلنه، كما يستشعر الرجاء فى نعيمه ورضوانه.
قضى الإسلام على الوثنية الجاهلية بكل ما طوى فيها من كهانة وسحر وشعوذة وخرافة، وبذلك ارتقى بعقل الإنسان إذ خلّصه من الحماقات والترهات، وقد مضى يحتكم إليه فى معرفة الكائن الأعلى الذى أنشأ الكون ودبّر نظامه، داعيا له إلى أن يتأمل فى ملكوت السموات والأرض، فإن من ينعم النظر فى هذا الملكوت ونظامه يعرف أنه لم يخلق عبثا وأن له صانعا سوّى كل شئ فيه وقدّره، يقول جلّ ذكره: {(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاِخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ)} {(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ)} {(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).}
وواضح من ذلك أن القرآن اتجه إلى العقل فى دعوته إلى الإيمان بوجود الله وقدرته وتدبيره، وكذلك الشأن فى الإيمان بوحدانيته. وقد فضل الإنسان على سائر مخلوقاته {(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)} وما كان لهذا الذى