تونس، وتظل عاصمة للبلاد إلى اليوم ويقيم فيها دواوين الحكم، ويطبق فيها وفى ولايتها ما اتخذه فى دولته بالمغرب من التراتيب المخزنية فى تنظيم المصالح الحكومية وظلت هذه التراتيب قائمة إلى نهاية حكم الدولة الحفصية، ويتوفى سنة 558 هـ‍/1162 م ويخلفه ابنه يوسف وتظل إفريقية التونسية هادئة لعهده حتى إذا كانت سنة 575 هـ‍/1179 م ثار عليه بنو الرّند فى قفصة بشط الجريد فخرج إليهم وتغلب سريعا عليهم، وعاد إلى عاصمته: مراكش وتوفى سنة 580 وخلفه ابنه يعقوب وكان من وزرائه الشيخ عبد الواحد جد الحفصيين، وكان تقى الدين بن أخى صلاح الدين الأيوبى فكر فى الاستيلاء على ليبيا وإفريقية التونسية للاستعانة بهما فى حرب الصليبيين، وكلف بهذه المهمة قراقوش وابن قراتكين، واستولى الأول على مدينة قابس واستولى الثانى على مدينة قفصة، وفى هذه الأثناء فكر بنو غانية ولاة المرابطين فى جزر ميورقة ومنورقة ويابسة أن يثأروا لدولتهم من الموحدين، وتسلّل منهم إلى إفريقية التونسية على وأخوه يحيى يريدان أن يقيما فيها دولة ويعدّا جيشا للانقضاض على الموحدين. وعلم يعقوب بما يحدث فى إفريقية التونسية فخرج إليها فى جيش جرار سنة 583 هـ‍/1187 م وظل طوال طريقه يبنى فى سائر أعماله المارستانات للمرضى والمساجد للمصلين وانقضّ على قفصة وقتل ابن قراتكين كما انقض على قابس ولم يجد بها قراقوش واستولى على أمواله وأهله مما اضطره إلى إعلان طاعته، أما ابنا غانية فحين علما بمقدم يعقوب انسحبا إلى شط الجريد وفيه لقى على مصرعه سنة 584 هـ‍/1188 م. وعاد يعقوب إلى عاصمته، وأخذ ينهمك فى الإعداد لموقعة الأرك التى سحق فيها سنة 591 هـ‍/1195 م ملك قشتالة ألفونس الثامن ومن تجمع له من حملة الصليب الهولنديين والإنجليز، وازداد حينئذ عيث يحيى بن غانية واستولى على شط الجريد والقيروان وطرابلس وقابس وصفاقس وتونس، وتوفى يعقوب سلطان الموحدين سنة 595 هـ‍/1198 م وتولى ابنه الناصر وظل يفكر فى شأن يحيى ورأى أن يرسل حملة بحرية كبرى إلى أخيه عبد الله فى جزائر البليار (ميورقة ومنورقة ويابسة) حتى يجتث جذور جرثومة الفساد واستولى عليها أسطوله سنة 600 هـ‍/1203 م وصمّم بعد ذلك على قطع فروع الجرثومة فى إفريقية التونسية واستئصال يحيى بن غانية، فخرج فى جيش جرار ومعه وزيره أبو محمد عبد الواحد بن يحيى بن أبى حفص سنة 602 هـ‍/1205 م وأوقع بيحيى هزيمة ساحقة بالقرب من مدينة قابس، واسترجع مدينة المهدية وغيرها من المدن التونسية، وعاد إلى مراكش سنة 603 واستخلف أبا محمد عبد الواحد بن يحيى بن أبى حفص على تونس (إفريقية التونسية) وطرابلس، وأخذ زمام الأمور بها يتجمع ويستقر فى يده ويد أبنائه، وكأنما كان حكمه لتونس وطرابلس تمهيدا قويا لقيام الدولة الحفصية، وقد نازل يحيى بن غانية فى نواحى طرابلس وهزمه وفرّ جريحا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015