بهم وأغرمهم ثلاثمائة ألف دينار، واستكانت طرابلس. وفى سنة 304 ثارت برقة فنكل بها العبيديون تنكيلا شديدا. وفى سنة 310 ثار الإباضيون فى جبل نفوسة ثورة عنيفة، وقضت عليها جيوش العبيديين. وتظل ليبيا غربا وشرقا خاضعة لهم إلا ثورات صغرى كثورة أبى حاتم وثورة أبى يحيى الإباضيين وقضى على الثورتين يزيد بن حاتم المهلبى (154 - 170 هـ). وحرى بنا أن نذكر أن من أهم قضاتهم الذين كانوا يرسلون بهم إلى طرابلس لنشر دعوتهم القاضى النعمان صاحب المؤلفات المشهورة فى الدعوة إلى العقيدة الإسماعيلية الفاطمية، وتبع المعز الفاطمى فى ارتحاله إلى عاصمته الجديدة: القاهرة سنة 361 للهجرة. وكان المعز قد ترك على بلاد إفريقية التونسية والمغربين الأوسط والأقصى بلكّين بن زيرى زعيم قبيلة صنهاجة، وجعل جبل نفوسة تابعا له، وفصل عن ولايته طرابلس وبرقة ملحقا لهما بمركز الخلافة فى القاهرة، وجعل لكل منهما واليا تابعا له، ولم يدم ذلك لطرابلس طويلا، فإن بلكين ألحّ على الخليفة الفاطمى العزيز (365 - 386 هـ) أن يلحقها بولايته هى ومنطقتها، وأجابه إلى أمنيته سنة 367 وولى عليها بلكّين حتى سنة 373 هـ ولاة من قبله، وخلفه ابنه المنصور ثم حفيده باديس سنة 386 للهجرة وأخذ يرسل إليها بدوره ولاة مختلفين، كان آخرهم عسيلة بن بكار سنة 390 فخانه بتسليمها إلى يانس الصقلى حاكم برقة، وأرسل إليه باديس أحد قواده على رأس جيش حاصر طرابلس. وفى هذه الأثناء تسلّل إلى طرابلس مغامر من قبيلة زناتة يسمى فلفل بن سعيد واستولى عليها وأسّس بها دولة بنى خزرون، وأخذت تكثر بها الاضطرابات والمنازعات بين أفراد الأسرة ومن الطريف أنه تأسس فى طرابلس حينئذ مجلس شورى يساعد الحاكم الخزرونى فى تصريف الأمور، وأول من رأسه على بن محمد بن المنمر، وقد قضى هذا المجلس على آثار المذهب الشيعى فى طرابلس وثبت المذهب المالكى السنى بها، وظلت أسرة بنى خزرون تحكم طرابلس حتى منتصف القرن الخامس الهجرى. وإذا ولينا وجوهنا نحو برقة فى تلك الفترة وجدنا أمويا أندلسيا يسمى أبا ركوة يدعو لنفسه فيها بالخلافة، ويتبعه بنو قرة البرقيون أصحاب الجبل الأخضر، ويحاربون معه الفاطميين ثم يتخلّون عنه ويقتل. وتظل الزعامة فى برقة لبنى قرّة طوال النصف الأول من القرن الخامس الهجرى.