المغرب بيد عبد الرحمن بن حبيب حفيد عقبة بن نافع منذ سنة 126 للهجرة، فأخذ يرقبهم ويكثر من العيون عليهم، وعرف أن رئيسهم فى طرابلس عبد الله بن مسعود التّجيبى، فأرسل إليه أخاه إلياس فى قوة عسكرية كبيرة فقتله. ولم تنته بذلك الحركة الإباضية فى طرابلس فقد بايع الإباضيون فى طرابلس بعده بالإمامة الحارث بن تليد الحضرمى سنة 130 للهجرة واتخذ وزيرا له عبد الجبار بن قيس المرادى، والمظنون أنهما كانا من جيش أبى حمزة الخارجى الذى أرسله الإمام طالب الحق اليمنى لفتح الحجاز ومدينتيه المقدستين، ولم يكتب له النصر أخيرا على الجيش الأموى، وتسلل من جيشه الحارث وعبد الجبار إلى طرابلس، وأخذا يدعوان للمذهب بها، ونجحت دعوتهما وبويع الحارث إماما، وأرسل إليه عبد الرحمن بن حبيب جيشا، ويقال بل ذهب إليه بنفسه على رأس جيش، غير أن جيشه هزم شر هزيمة، وأصبح إقليم طرابلس من سرت فى ليبيا إلى قابس فى إفريقية التونسية يعترف بإمامته معتنقا لمذهب الإباضية. وفى سنة 132 للهجرة يغتال الحارث بن تليد ووزيره عبد الجبار فى ظروف غامضة، ويدخل عبد الرحمن بن حبيب طرابلس ويفتك بكثيرين من زعماء الإباضية.
وتعيش طرابلس وإقليمها نحو ثمانى سنوات فى هدوء، حتى إذا كانت سنة 140 للهجرة ثار الإباضية بقيادة إمامهم أبى الخطاب عبد الأعلى المعافرى واستولى على طرابلس وأعلن بها إمامته، وكان حازما مقداما جسورا غيورا على الدين، وكانت قبيلة ورفجومة الصفرية استولت على القيروان منذ سنة 138 للهجرة واستباحتها واستحلت المحارم وارتكبت كثيرا من المآثم والفظائع بها وجروحها تنزف بالدماء وأهلها يكثرون من العويل ولا مغيث، وعلم أبو الخطاب بعيث ورفجومة واستحالة أبنائها فى القيروان إلى ذئاب هائجة مسعورة، فثارت ثائرته واتقدت حميته لأهلها وأعدّ فى سنة 141 للهجرة جيشا ضخما نازل به ورفجومة النفزاوية فى معركة طاحنة قتل فيها قائدها عبد الملك بن أبى الجعد وهزمت هزيمة ساحقة، ودخل أبو الخطاب القيروان وطهّرها من رجس هذه القبيلة الباغية، وأقام عليها عبد الرحمن بن رستم واليا عليها من قبله، وعاد إلى طرابلس عاصمته. وكل ذلك علم به الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور، فاختار أحد قواده العظام محمد بن الأشعث وولاه على المغرب، وأرسل معه جيشا بالغ الضخامة فى نحو سبعين ألف مقاتل يقودهم صفوة كبيرة من القواد، ونشبت بينه وبين أبى الخطاب معركة حامية الوطيس سنة 144 للهجرة قتل فيها أبو الخطاب وأكثر أنصاره بحيث لم تقم للإباضية فى طرابلس وجبل نفوسة بعدها قائمة. وفرّ عبد الرحمن بن رستم من القيروان إلى تيهرت فى المغرب الأوسط، وبها أقام للإباضية دولة ظلت نحو قرن ونصف. ويتولى المغرب يزيد بن حاتم المهلبى سنة 153 للهجرة ويعود النظام والاستقرار والهدوء إلى طرابلس حتى نهاية ولايته سنة 170 وقد ضم برقة إلى مصر. وتولى المغرب بعد يزيد أخوه روح بن حاتم