إلى الثقة به. ولكن بجانبه شعر صحيح رواه الثقات وعلى رأسهم المفضل الضبى والأصمعى، وهو الذى نستند عليه فى دراسة الأدب الجاهلى، دراسة نخضعه فيها لبحث داخلى دقيق. ومن أجل ذلك وقفت عند مصادره لأدل على قيمتها ومدى توثقها.
ومضيت أبحث فى خصائص الشعر الجاهلى، فتحدثت عن نشأته وأنها انطمرت فى ثنايا الجاهلية الأولى، بحيث لا نجد منذ أوائل العصر الجاهلى أو الجاهلية الثانية شيئا نستبين منه طفولته، إنما نجد هذه الصورة النموذجية المعروفة للقصيدة الجاهلية، وهى صورة شاعت بين القبائل جميعا، وكان للقبائل المضرية منها بالذات الحظ الأوفر. ووقفت عند موضوعاته، ولا حظت فيها بقايا من الصلة القديمة بين شعرهم والأناشيد الدينية التى كانوا يرتلونها لآلهتهم، كما وقفت عند معانيه ولا حظت أنها حسية تغلب عليها السطحية والتقريرية والسرعة السريعة، أما ألفاظه فكاملة الصياغة حافلة بالصقل والتجويد، زاخرة بقيم موسيقية وتصويرية كثيرة.
وأفردت بعد ذلك فصولا لأربعة من الشعراء، يعدهم النقاد السابقين المجلّين فى العصر الجاهلى، وهم امرؤ القيس والنابغة وزهير والأعشى. واعتمدت فى دراسة الثلاثة الأولين على رواية الأصمعى لدواوينهم، وبدأت بامرئ القيس، فتحدثت عن حياته وكيف دخلتها الأسطورة، ثم تحدثت عن ديوانه، وبحثته بحثا داخليّا، فإذا أكثر ما يضاف إليه تشوبه الريبة بشهادة الأصمعى، واستظهرت أن تكون المعلقة وتاليتها فى ديوانه صحيحتين فى جملتهما ومثلهما القصيدتان الحادية عشرة والسابعة والعشرون لأنهما من رواية أبى عمرو بن العلاء، الثقة الصدوق.
ولا يبقى له بعد ذلك إلا مقطوعات قصيرة تعرض فيها لمن أجاروه ومن رفضوا جواره. واستطعت من خلال هذه النصوص القليلة أن أوزع شعره على دورتين فى حياته، دورة غلب عليه فيها اللهو والعبث، ودورة ثانية غلب عليه فيها الحزن والإحساس بسوء المصير. وأخيرا صوّرت خصائصه الفنية مبينا منزلته فى الشعر الحاهلى وكيف عدّ أياه غير منازع ولا مدافع.
وبحثت بعده النابغة الذبيانى، فتحدثت عن حياته، وكيف أمضاها فى بلاط