معين يرفده بكل ما يريد من كلم ومن صور دالّة بحيث يستوى له نسق أسلوب محكم بألفاظه التى يرصفها فى يسر متلاحقة بجزالتها ورصانتها ونصاعتها وأى نصاعة؟ لكأنما كانت الألفاظ مختبئة فى أكمامها اللغوية الأدبية، حتى جاء ابن حيّان، فتفتحت له أكمامها وانقادت إليه مهيّئة له هذه الرّوعة فى اختيارها ونسج تعبيراتها مع الرونق الذى يلذ العقل والشعور، وهو رونق لا يستعين عليه بشئ من تزاويق المحسنات البديعية التى أخذ يصطنعها بعض كتّاب عصره، ولا شئ من السجع إلا ما جاء عفوا، مثله فى ذلك مثل ابن شهيد وابن حزم ولا إفراط فى السرد التاريخى ولا تفريط، بل سرد مقتصد يؤدى المعانى بدقة، مع إحكام التصوير النفسى والاجتماعى لمن يترجم لهم من الأمراء والوزراء والقضاة وأصحاب المناصب الرفيعة والنساء والجوارى. ودائما يذكر بجانب محاسن الشخصية ومناقبها ما قد سجّل عليها من معايب ومساوئ. وكثيرا ما يسوق قصصا ممتعة تتممّ ملامح الشخصية أو تخفّف عن القارئ جفاف التاريخ على نحو ما يلقانا فى الصفحات الأولى من الجزء الخاص بالناصر وحديثه فى مطلعه عن حظيّته مرجان أم ولى عهده المستنصر وكيف سلبته من ابنة عمه الحرّة وأوقعتها فى شباك سخطه بدهائها ومكرها حتى منتهى حياتها. وهى قصة طريفة بما تصور من مكر النساء وكيدهن وما يتخذن لذلك من بعض الحيل الخادعة. وفى الحق أن كتابات ابن حيان فى المقتبس وغيره طراز من الكتابة التاريخية الأدبية لا مثيل له قبله ولا بعده.
هو أبو الحسن على (?) بن بسام التّغلبى الشنترينى من شنترين فى أقصى الغرب على نهر تاجه بالقرب من مصبه فى المحيط الأطلسى عند أشبونة، ولد بها قبيل سنة 460 لأسرة على شئ من اليسار، وعنى بتربيته أبوه، وتفتحت موهبته الأدبية مبكرة، ونراه فى صحبة من ببلدته من الأدباء ومن يحيطون بالمتوكل أمير بطليوس عاصمة إقليمه