والأتراب، طاحوا (?) والله وأكلهم التراب، بينما البلبل يغرّد إذ نعب الغراب وفجأت الفجيعة فما لذّ النوم ولا ساغ الشراب».

وكان نبعا فياضا فى الوعظ مما جعل بعض الوعاظ يستعينون به فيما يعظون به الناس. ونلتقى بكثير من المواعظ فى دولة بنى الأحمر بغرناطة، ومن كبار الوعاظ فى دولتهم ابن الزيات الكلاعى المالقى المتوفى سنة 728 وله فى الوعظ كتاب «شذور الذهب فى ضروب الخطب»، وروى له لسان الدين بترجمته فى الإحاطة عظة ألغى الألف من حروفها وفيها يقول:

قد نصحتم لو كنتم تعقلون، وهديتم لو كنتم تعلمون، ونصرتم لو كنتم تبصرون، وذكّرتم لو كنتم تذكرون، وظهرت لكم حقيقة نشركم (?)، وبرزت لكم خبيئة حشركم، فلم تركضون فى طلق (?) غفلتكم، وتغفلون عن يوم بعثكم، وللموت عليكم سيف مسلول، وحكم عزم غير مفلول (?)، فكيف بكم يوم يؤخذ كلّ بذنبه، ويخبر بجميع كسبه، ويفرّق بينه وبين صحبه، ويعدم نصرة حزبه، ويشغل بهمّه وكربه، عن صديقه وتربه».

ويسترسل فى مثل هذا الوعظ البسيط الذى ينزلق عن اللسان لخفته ولعذوبته، ولعله من أجل ذلك كان مجلس وعظه يغص بالناس ويزدحمون عليه لسماع مواعظه. وحرى بنا الآن أن نقف قليلا عند الواعظين الجليلين: منذر بن سعيد وأبى بكر الطرطوشى.

منذر بن سعيد البلّوطى (?)

هو أبو الحكم منذر بن سعيد بن عبد الله، ولد سنة 265 بموضع فى نواحى قرطبة يسمى فحص البلوط فنسب إليه، وأقبل منذ نعومة أظفاره على الدراسات الدينية واللغوية وبزّ فيها أقرانه بقرطبة، وفى سنة 308 رحل إلى المشرق للحج والتلقى عن علمائه، وعاد إلى قرطبة يحمل عن محمد بن المنذر النيسابورى كتابه الإشراف المؤلف فى اختلاف الفقهاء سمعه منه بمكة، ويحمل أيضا كتاب معجم العين المنسوب إلى الخليل سمعه على أبى العباس بن ولاد بمصر، غير كتب أخرى فى اللغة والفقه والحديث. وأهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015