حيث يكتسى ريشه حريرا، ويحتشى جوفه بريرا (?)، ويحتسى قراحا نميرا (?)، فخذه إليك، نازلا لديك، ماثلا بين يديك، يترنّم بالثناء، ترنم الذّباب فى الروضة الغنّاء. ولن يعدم فى جنابك حبّا نثيرا، وخصبا كثيرا، وعشّا وثيرا (?)».
والدعابة لطيفة والصياغة بديعة، ويقول ابن بسام فى ختام ترجمته له إن كلامه أبهى من النجوم وأبهر، وأسرى من النسيم وأسير» لما يشيع به من صياغة تأخذ بمجامع القلوب
هو سهل بن محمد بن سهل بن مالك الأزدى، من أسرة علمية غرناطية ذات جاه وثراء، وفيه يقول ابن عبد الملك المراكشى: «كان من أعيان مصره وأفاضل عصره تفننا فى العلوم وبراعة فى المنثور والمنظوم، محدّثا مجودا للقرآن متقدما فى العربية، وافر النصيب من الفقه وأصوله، كاتبا مجيد النظم فى معرب الكلام وهزله ظريف الدعابة مليح التندير» ويقول ابن سعيد فى القدح المعلى: «لو لم تأت غرناطة إلا بهذا الجليل المقدار، لكان حسبها فى العلم والجود والرياسة وجميع أنواع الافتخار، وبرع فى العلوم الحديثة والقديمة وبلغ بين نظرائه مبلغ الكمال»، وصنّف فى العربية كتابا مفيدا رتب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه، وله تعليقات نافعة على كتاب المستصفى فى الأصول للغزالى.
ولما ثار محمد بن يوسف بن هود الملقب بالمتوكل بمدينة مرسية سنة 625 وملك قرطبة وإشبيلية وغرناطة بلغه أن سهل بن مالك يتندر به وبرجاله، وكان مطبوعا على النادرة ظريفا خفيف الروح، ولكن ابن هود لم يحتمله فغرّبه عن غرناطة بلدته إلى مدينة مرسية، وظل بها حتى توفى ابن هود سنة 635 وصارت غرناطة إلى الغالب بالله محمد بن يوسف بن الأحمر مؤسس دولة بنى نصر أو بنى الأحمر فى غرناطة فعاد إليها، وظل فى جاه بها وبلوغ أمنية حتى توفى سنة 639 للهجرة عن سنّ عالية ورثاه تلميذه ابن الجنّان رثاء حارا.
وكان سهل شاعرا كما كان ناثرا، ونثره يبذّ شعره ويدل على عمق فكره واصطباغه