والتصوف، فأخذ يجتمع بزهاد ومتصوفة كثيرين، فى مقدمتهم الزاهد أبو عمران موسى بن عمران المارتلى الذى مرّ ذكره بين الزهاد وأبو العباس العريانى المتصوف، ولزم نونّة «فاطمة بنت ابن المثنى» الصوفية سنتين تابعا ومريدا، حتى إذا أشربت روحه كثيرا من الرياضات الصوفية خرج من إشبيلية يتجول فى الأرض، وهو فى نحو الثلاثين من عمره، واتجه إلى مرسية والمرية وهناك كتب رسالته الصوفية «مواقع النجوم» ثم رحل إلى المغرب واستقر فى فاس مدة سنة 591 منصرفا إلى رياضته الصوفية. وقام بسياحات متعددة فى نواحى المغرب فى مراكش وغير مراكش، ونزل بجاية ولزم أبا مدين الصوفى فترة معجبا بطريقته الصوفية. وألم بتونس وفيها صنف كتابه: «الدوائر الإحاطية فى مضاهاة الإنسان للخالق». وفى سنة 598 رحل لأداء فريضة الحج ونزل مكة وتعرف فيها على مكين الدين أبى شجاع زاهر بن رستم الأصفهانى إمام مقام إبراهيم بالمسجد الحرام، وحضر دروسه وسمع عليه الجامع الصحيح فى الأحاديث النبوية للترمذى، وتوثقت بينهما العلاقة، وكانت لهذا الشيخ فتاة جميلة اسمها نظام، فشغف بها ابن عربى حين رآها ونظم فيها ديوانه «ترجمان الأشواق» متخذا منها ومن غزله فيها رمزا لحبه الربانى ومواجده الصوفية، وكتب حينئذ كتابه: «الدرة الفاخرة» فى تراجم شيوخه من الصوفية، وفيه أشاد بشيخه أبى مدين وطريقته. وبارح مكة إلى بغداد والموصل سنة 601 وأخذ يتجول فى البلدان، ونجده بالقاهرة سنة 603 وجادله فقهاؤها فيما يفهم فى أقواله من فكرة وحدة الوجود واتهموه بالمروق من الدين، غير أن السلطان العادل الأيوبى حماه منهم. ويتجه إلى الأناضول ويعجب به كيكاوس ملك قونية، ويؤلف مصنفيه: «مشاهد الأسرار» و «رسالة الأنوار». وينزل بغداد سنة 608 ويلتقى بشهاب الدين السهروردى الصوفى السنى، ويتوجه إلى مكة للحج سنة 610 ويؤلف شرحا على ديوانه ترجمان الأشواق يسميه ذخائر الأعلاق، وفيه يوضح المعانى الصوفية التى تضمنتها أبيات الديوان. ويعود إلى الأناضول وينزل حلب ويحتفى به سلطانها الظاهر غازى، ويؤلف كتابه: «الحكمة الإلهامية». وفى سنة 620 يختار دمشق دار إقامة له حتى وفاته سنة 638 وفيها ألف «فصوص الحكم» و «الفتوحات المكية» وأذاع ديوانا له، وظل مشغولا بالتأليف حتى الأنفاس الأخيرة من حياته.
وكان ابن عربى مكثرا من التأليف حتى يقال إن مؤلفاته ورسائله بلغت نحو أربعمائة، وعنده أن العلوم ثلاثة أنواع: علم العقل ويشمل العلوم المعروفة، وعلم الأحوال ويدرك بالذوق، وعلم الأسرار وهو فوق العلمين السابقين مما ينفث به الروح القدس فى الروع