وكان أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة، وهى الأعاريض التى أشار إليها الخليل بن أحمد فى دوائره العروضية الخمس وما أخضعها له من فكرة التباديل والتوافيق الرياضية (?) بحيث يمكن أن يستخرج منها ما لا يحصى من أوزان مهملة لم يستخدمها العرب، وكأن الوشاح الأول فى الأندلس كان يقوم من تلك الأوزان أو الأعاريض مقام ابن السميدع ورزين العروضى وأبى العتاهية فى بغداد، ممن عنوا-كما أسلفنا-بالنظم على الأعاريض المهملة. ومضت الموشحة على هذه الصورة عند الوشاح الأول الذى ابتكرها ومن خلفوه عليها، حتى ظهر يوسف بن هرون الرمادى الكندى المتوفى سنة 403 فأحدث فيها تطورا مهما يقول ابن بسام فى نفس النص السابق: «فكان أول من أكثر فى الموشحة من التضمين فى المراكز» يريد أنه أول من أحدث فى الموشحة تعدد الأجزاء أو الشطور فى المراكز، ولم تحتفظ كتب الأدب له بموشحة تصور لنا بدقة صنيعه.
ثم يقول ابن بسام إنه نشأ بعده عبادة بن ماء السماء الخزرجى، الأنصارى المتوفى سنة 419 فأضاف إلى الموشحة تطورا جديدا هو تضمينه مواقع الوقف فى الأغصان أو بعبارة أخرى دقة التجزئة فى أشكال الأغصان، وبذلك تمت للموشحة صورتها التى حملتها العصور التالية، وصور ذلك ابن بسام قائلا: «كانت صنعة التوشيح التى نهج أهل الأندلس طريقها ووضعوا حقيقتها غير مرقومة البرود، ولا منظومة العقود، فأقام عبادة بن ماء السماء منآدها، وقوّم ميلها وسنادها فكأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه ولا أخذت إلا عنه». وإذا كانت الكتب الأدبية لم تحتفظ للرمادى بإحدى موشحاته فإن فوات الوفيات لابن شاكر الكتبى احتفظ لعبادة بن ماء السماء بموشحتين تتقابل فيهما أجزاء المراكز أو الأقفال، وبالمثل تتقابل الأجزاء فى كل غصن تقابلا دقيقا على نحو ما نرى صنيعه فى هذا الغصن متغزلا (?)
ليليّة الذوائب … ووجهها نهار (?)
مصقولة التّرائب … ورشفها عقار (?)
أصداغها عقارب … والخد جلّنار (?)
وتتوالى الأغصان على هذه الصورة مجزأة إلى ستة شطور، تتحد الثلاثة الأولى منها فى القافية، وبالمثل الثانية. وأصبح ذلك تقليدا ثابتا فى الموشحات بعده. والوزن فى هذا