القرطبى المتوفى سنة 262 للهجرة وكان يقول بحرية الإرادة (?) للإنسان، وكان يعاصره معتزلى مثله هو خليل الغفلة، وكان يقول مثله بحرية الإنسان (?) فى أفعاله، وتابعه فى اتجاهه الاعتزالى ابن السمينة (?) يحيى المتوفى سنة 315 إذ يقول صاعد إنه كان معتزليّا.

وأول معتزلى أندلسى دعا إلى الاعتزال بمعناه الكامل ابن مسرة الذى ألممنا به فى أول حديثنا عن الفلسفة ملاحظين من كتاب أمر الناصر فى سنة 345 بتلاوته على الناس لبيان خروجه هو وتلاميذه عن العقيدة السنية للجماعة بترويجه لأفكار المعتزلة من مثل قولهم بخلق القرآن وبأن الانسان حر فى إرادته ووجوب إنفاذ الوعد والوعيد على الله.

ومع ذلك ظل له تلاميذ يرددون آراءه الاعتزالية، واضطروا إلى الاختفاء-كما أسلفنا- فى عهد الناصر وعادوا إلى الظهور فى عصر ابنه الحكم لما نشر من التسامح إزاء الاعتزال وغيره من العقائد. ولم يلبث أن خلفه ابنه المؤيد (366 - 399 هـ‍) وحاجبه المنصور بن أبى عامر الذى أظهر التشدد فى كل ما يخالف آراء أهل الأندلس، ومع ذلك كان حكم بن منذر بن سعيد فى عهدهما رأس المعتزلة بالأندلس وكبيرهم وأستاذهم ومتكلمهم وناسكهم كما يقول (?) ابن حزم، واضطرت شيعة ابن مسرة إلى الاختفاء ثانية فى عهد ابن أبى عامر وعادت إلى شئ من النشاط فى عصر أمراء الطوائف على نحو ما مرّ بنا-فى حديثنا عن ابن مسرة-وداعية تعاليمه إسماعيل الرعينى. ولا نسمع بعده عن نشاط اعتزالى أو كتب اعتزالية لأندلسيين. ويبدو أن كثيرا من كتابات المعتزلة والمتكلمين عامة تسرب إلى الغرب عن طريق ما حملته الأندلس من تلك الكتابات على نحو ما حملت إليه من علوم الطب والرياضيات والصيدلة مما هيأ لقيام التأليف العلمى فى أوروبا ولنهضتها العلمية، كما هيأ لقيام التفكير الفلسفى فيها. ومن أقوى الدلالات على تأثير المعتزلة فى التفكير الأوربى أن نجد ديكارت (1597 - 1650 م) أبا الفلسفة الغربية الحديثة يقيم فلسفته على مبدأين يلتقيان بأفكار المعتزلة والمتكلمين وهما مبدأ الشك فى حقائق الأشياء حتى نتبين فيها وجه اليقين ويردد الجاحظ هذا المبدأ عن أستاذه النظام فى كتابه الحيوان مستشهدا بقوله: «لم يكن يقين قط حتى كان قبله شك». وكان حريّا بالأستاذ الدكتور طه حسين حين نوه بهذا المبدأ فى أوائل كتابه «فى الأدب الجاهلى»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015