عصبية جديدة هى عصبة المولّدين من أبناء وأحفاد من أسلموا من الإسبان وانضم إليهم المسالمة (المسلمون الجدد من الإسبان) وكذلك المسيحيون ممن استعربوا وغير المستعربين، وقد تنادوا بأن البلد بلدهم وهم أحق بها وأخذوا يثورون، وشبت بسبب ذلك كله ثورات فى الجزيرة الخضراء وباجة وإشبيلية وطليطلة وأخمدها عبد الرحمن جميعا.
وبجانب هذه الحروب الداخلية كانت هناك حروب فى الشمال مع الإمارات الإسبانية، وعلى نحو ما حوّل أسلافه فى دمشق الحرب بينهم وبين بيزنطة، إلى حرب صوائف، وهى حملات صيفية كانت توجّه إلى حدود بيزنطة كذلك صنع عبد الرحمن وخلفاؤه فى قرطبة.
وبذلك توقفت حركة الفتوح التى رأيناها فى عصر الولاة والتى كانت قد توغلت فى جنوبى فرنسا الغربى حتى بواتييه ونهر الرون، إذ أخلى عبد الرحمن كل ما كان بأيدى العرب من أرض شمالى جبال البرينيه بفرنسا واقتصر على ما بيده من الأندلس. وكان ينفس عليه سلطانه واليان عربيان هما واليا سرقسطة وبرشلونة عاصمة قطالونيا وبلغا من خيانتهما أن اتصلا بشارلمان ملك الفرنجة وإمبراطور الغرب وأغرياه بغزو الأندلس سنة 161 هـ/778 م واقتحم جبال البرينيه وحاصر سرقسطة طويلا واضطر إلى رفع الحصار عنها وعاد إلى بلاده، ولكن بعد أن أنشأ ولاية فى قطالونيا مهدت لاستقلال تلك المنطقة. وفى أثناء عودته أخذ الأندلسيون وحلفاؤهم من البشكنس ينقضّون على مؤخرته ومزقوها تمزيقا هى وقائدها رولان الذى تكونت حوله-فيما بعد-ملحمة شعبية باسم ملحمة رولان.
وتوفّى عبد الرحمن الداخل سنة 172 وخلفه ابنه هشام بعهد منه، وقد بايعته العامة بقرطبة، مما يدل على أن الحاكم الأموى هناك كان يضع فى اعتباره رضاها عنه، وليس ذلك فحسب. فقد اتخذ هشام مستشارين له من الفقهاء أو مشاورين يرجع إليهم فى تدبير الأمور، ويروى أن مصعب بن عمران قاضى قرطبة حكم على أحد رجال هشام بحكم فشكاه إليه، فقال له: والله لو أمرنى بالخروج عن مقعدى (إمارتى) لخرجت عنه.
وعلى هذا النحو كان يخفف من حدة استبداد الحاكم الأموى فى قرطبة الرعية التى كان يخشاها والقضاة والفقهاء أو علماء الدين، وظل ذلك مرعيا طوال أيام الأمويين فى الأندلس حرصا على طلب السمعة وحسن الأحدوثة بين الرعية. وظلت جيوش هشام تقضى على ثورات المسيحيين فى الشمال إلى أن توفى سنة 180 للهجرة.
وولى بعده ابنه وولى عهده الحكم، وكان فى السادسة والعشرين من عمره، وهو أول من استكثر من الصقالبة، إذ بلغوا فى عهده خمسة آلاف. ومع حزمه كان يأخذ بشئ من