ضخم من الرجال البواسل المتهيئين لمواصلة القتال، وخرج هو وطلب لقاء قائد المسلمين عبد العزيز، فاستأمنه، فأمّنه، وعقد له الصلح ولأهل بلده على إتاوة وجزية يؤدونهما. وفى رأينا أن هذه الحيلة للاستئمان تعدّ-بدورها-من أساطير الفتح الشعبية الكثيرة التى كانت تتداول فى إيبيريا. إذ يكفى أن يخرج هذا القائد بعد حصار طويل لقائد المسلمين المحاصرين لبلدته ويطلب الأمان له ولمدينته فيجاب إلى طلبه كما حدث كثيرا فى الفتوح الإسلامية.
عملت عوامل متعددة على كثرة الاضطرابات فى هذا العصر، منها كثرة العناصر التى تكوّن منها الشعب فى الأندلس، إذ كان منه أسبان مختلفو الجنسيات كما أسلفنا ويهود، وحلّ به بربر كثيرون وهم ينقسمون إلى قبيلتين كبيرتين: البتر والبرانس، كما حلّ به العرب وهم ينقسمون بدورهم إلى عدنانية أو مضرية ويمنية أو قحطانية، وكانت بينهما خصومات قديمة أشعلتها فى العصر الأموى حروب قيس المضرية وكلب اليمنية فى موقعة مرج راهط، واستعادت القبائل العربية فى الأندلس هذه الخصومات سريعا. وكان البربر البتر يأخذون صفّ العدنانية والقيسية، بينما البربر البرانس كانوا يأخذون صفّ القحطانية وكلب اليمنية، وكان الوالى على الأندلس إذا كان يمنيا أو كلبيا تعصب لقومه، وبالمثل إذا كان عدنانيا أوقيسيا مما هيأ لكثرة الاضطرابات والقلاقل فى تلك البلاد.
وعامل ثان هيّأ لها هو كثرة تعيين الولاة هناك حتى بلغوا فى نحو أربعين عاما اثنين وعشرين واليا، فلم يكن الوالى يشعر بشئ من الاستقرار. وعامل ثالث هيأ بدوره لكثرة الاضطرابات فى الأندلس هو بعدها عن السلطة المركزية فى دمشق، فكان الخلفاء الأمويون لا يعرفون شئونها معرفة واضحة، مما جعلهم يكلون تعيين ولاتها إلى ولاتهم على المغرب، مع أنها كانت أكثر من المغرب ثراء وخراجا، وكانت تنعم بغير قليل من الحضارة، بينما أهل المغرب كانوا-وخاصة فى الداخل بعيدا عن الشواطئ-بدوا غير متحضرين، وكان أهل الأندلس يأنفون من هذه التبعية، والخليفة الوحيد الذى تنبه إلى