وكتابه «طوق الحمامة» والكتاب دراسة تحليلية نفسية بديعة للحب العذرى العفيف وتجارب ابن حزم فيه وتجارب معاصريه فى غير مواربة بل فى صراحة مستحبّة، صراحة تسمو فيها العاطفة الإنسانية الخالدة، عاطفة الحب، وترتفع عن صغائر الغريزة النوعية.
والكتاب ترجم من قديم إلى اللاتينية وتأثر به دانتى فى كتابه «الحياة المتجددة» وبالمثل تأثر به بعض شعراء الإسبان.
ومن الأعمال النثرية الأندلسية الرائعة كتاب المقتبس لابن حيان فى تاريخ الدولة الأموية بالأندلس، وهو نموذج فريد فى كتابة التاريخ كتابة تحليلية بصيرة لا مثيل لها عند العرب قبله ولا بعده، وعلى شاكلته كتاب الذخيرة لابن بسام فى كتابة التراجم الأدبية لعصره كتابة تاريخية تحليلية نقدية بارعة. ومن الطّرف النثرية الأندلسية مذكرات الأمير عبد الله ابن بلقّين آخر أمراء غرناطة من بنى زيرى، وفيها يتحدث عن إمارة أسرته بتلك المدينة، وكذلك عن إمارته قبل نفى يوسف بن تاشفين له إلى المغرب، وهو حديث صريح كل الصراحة حتى لتصبح تلك المذكرات شبيهة بكتب الاعترافات عند الغربيين.
ومن أروع الأعمال النثرية الأندلسية، بل العربية عامة، قصة حى بن يقظان لابن طفيل الوادى آشى القيسى وهى قصة رمزية، أراد بها ابن طفيل التوفيق بين الفلسفة والدين، وقد أدارها على طفل نشأ فى جزيرة مهجورة نما فيها وحده ونما معه عقله، حتى أدرك حقائق الأشياء على نحو ما يدركها الفلاسفة، واستنبط أن للكون خالقا وشعر بحاجته إلى الاتحاد به، وما زال يحاول ذلك حتى تحقق له هذا الاتحاد. وابن طفيل بذلك يثبت أن التأمل الفكرى المحض، كالإيمان الحقيقى الصادق عن طريق الأنبياء، يؤدى مثله إلى الاتصال بالله والاتحاد به، وإذن فلا تعارض ولا تنافر بين الفلسفة والدين.
وتصادف أن عثر غرسية غوميس فى مخطوطة موريسكيه بمكتبة الإسكوريال فى مدريد كتبت فى القرن السادس عشر على قصة تسمى قصة الصنم والملك وابنته تتشابه فى إطارها الخارجى مع قصة ابن طفيل التى كتبها فى القرن الثانى عشر، وبدلا من أن يستنتج أن مؤلف هذه القصة الموريسكية اطلع على قصة حى بن يقطان أو استلهمها إما فى أصلها العربى وإما فى ترجمة لاتينية أو قشتالية قديمة زعم العكس وأن ابن طفيل هو الذى استلهم هذه القصة أو أصلها القديم الذى كان شائعا فى زمنه، وهكذا بنى زعمه على مقدمات وهمية. وتنبه جوتييه فى مقدمة ترجمته الثانية لقصة حى بن يقظان لما وقع فيه غرسية من خطأ. وبالمثل أخطأ بالنثيا فى توهمه تأثر ابن طفيل بالمسيحية فى القصة وأن يقظان فيها رمز الله وبالتالى «حىّ» رمز المسيح ابن الله، والقصة تكتظ بالآيات