وما يزال السيوطى فى حسن المحاضرة يسوق إلينا أسماء كبار الوعاظ وخاصة بين الصوفية، ومرّ بنا فى الفصل الأول حديث مفصل عن التصوف بمصر وكيف أخذ يزدهر بها منذ عنيت به الدولة فى عهد صلاح الدين، وإنشائه لخانقاه سعيد السعداء. واتسع بناء الخانقاهات بعده فى أيام المماليك، وكانت دورا كبيرة للنسك ودراسة العلوم الدينية على نحو ما يذكرون عن خانقاه سرياقوس التى أنشأها الناصر محمد بن قلاوون، ومرّ حديث مفصل عنها وعن غيرها من الخانقاهات المملوكية. وبنوا بجانبها للصوفية اثنى عشر رباطا. كل ذلك عمل على ازدهار التصوف بمصر منذ القرن السادس الهجرى. وكان كثير من الصوفية يتبعون الطريقتين العراقيتين:
القادرية الجيلانية والرفاعية.
ولم تشع طريقة فى العالم الإسلامى إلا كان لها فروع وأتباع فى مصر، وأخذت تؤسّس بها طرق مشهورة فى مقدمتها الطريقة الشاذلية المنسوبة إلى مؤسسها أبى الحسن الشاذلى المتوفى سنة 656 وسنخصه بترجمة قصيرة. وتلتها سريعا الطريقة البرهامية نسبة إلى إبراهيم (?) الدسوقى المتوفى سنة 672 بدسوق بالقرب من رشيد، وهو من ذرية على بن أبى طالب، والطريقة الأحمدية نسبة إلى أحمد (?) البدوى المتوفى سنة 675 بطنطا وهو أيضا سليل على بن أبى طالب.
وكان لكل طريقة ورد خاص تردده، كله ابتهالات إلى الله ومناجيات وأدعية، وكثرت على ألسنة المتصوفة هذه الأدعية والمناجيات والابتهالات والأوراد، وسنعرض لهذا الحانب عند أبى الحسن الشاذلى فى ترجمته. ونسوق قطعة من ورد أو حزب إبراهيم الدسوقى، يقول مناجيا ربه:
«بأسمائك يا رب العالمين. بالسموات القائمات، فهن بالقدرة واقفات، بالسّبع المتطابقات، بالحجب المترادفات، بمواقف الأملاك (الملائكة) فى مجارى الأفلاك. بالكرسى البسيط، بالعرش المحيط. . اللهم احرسنى من كيد الفاسق، ومن سطوة المارق، ومن لدغة المنافق».
وكان يعاصر الدسوقى والبدوى أبو العباس (?) المرسى المتوفى سنة 686 تلميذ أبى الحسن